تحضرني هنا لحظات إطلاق سراحي والتي غلفتها التهاني والتهليلات والتكبيرات من زملاء الزنزانة فرحاً بنيل الحرية، تلك اللحظات التي كسر ضحكاتها المتعالية صوت أتى من بعيد لزميل معتقل امتلأت ملامح وجهه بالابتسامة فرحاً لفرحتنا غير أن حديثه اكتست كلماته بالشفقة حيث قال "قدم العزاء لنفسك، خروجك ظاهره العودة للحرية إلا أنه لا حرية في تلك البلاد، بعد قليل سوف تخرج من مجتمع نقي إلى مجتمع ملوث حيث الفساد والذل والاستعباد، فتمسك بالحق وبأفكارك النقية ولا تعطيهم الفرصة أن يلوثوك" كلمات أدرك جميع خريجو المعتقل معناها منذ الوهلة الأولى لهم خارج أسواراه.
نما إلى عقل القيادات أن المعتقل مكاناً أكثر ملائمةً لكل مغلوب على أمره ومضطهد من ملح أرض هذا الوطن المنكوب فقررت عدم الخوض في الأمر والاكتفاء بالبحث عن بطولات واهية! |
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة لازال نزلاء المعتقل وخريجوه ثابتون على أفكارهم التي لم تنجح الأسوار العالية في تغييرها، وعلى الرغم من أن مصائرهم باتت مرهونة بمصير نظام عسكري أركان حكمه متغلغلة في جسد الدولة منذ ما يزيد عن الستة عقود من الزمان إلا أن إيمانهم بعدالة قضيتهم يزيدهم تمسكاً وإيماناً بها. خلاصة القول أن ما يلاقيه المعتقلون داخل السجون وخارجها لن تحله المقدمات النارية لإعلامي المعارضة في الإستديوهات المكيفة، وبات ضرورياً أن نحرر المصطلحات قبل أن نبغبغ بها فبلا شك أن السجن لن ينجح في تغيير الفكرة إلا أنه نجح نجاحاً منقطع النظير في تأخير بكرة على العكس تماماً مما ينادي به أصحاب الشعارات الحنجورية، وحرية المعتقلين الذي اتخذه من قبل غاندي ومانديلا ورفاقهما أسلوب حياة ومنهجاً، أمنوا به ورسموا من أجله خطط التحرر والخلاص من الحكم الديكتاتوري الفاشي الفاشل المجرم.
ليظل باب التساؤل التي تبحث يائسةً عن إجابات مفتوحاً، ففي ظل ضبابية رؤية قادة المعارضة داخلياً وخارجياً للمشهد إضافة إلى فشلهم الذريع في إدارة الأزمة، هل بات رفع شعار الحرية للمعتقلين كافياً ومنطقياً في ظل هذه الظروف التي يمر بها المعتقل أو المطلق سراحه منه؟ وهل الشعارات وحدها حلاً في ظل هذه الأزمة التي يعيشها آلاف الأسر في مصر؟ أم أن تلك القيادات قد نما إلى علمها أن المعتقل مكاناً أكثر ملائمةً لكل مغلوب على أمره ومضطهد من ملح أرض هذا الوطن المنكوب فقررت عدم الخوض في الأمر والاكتفاء بالبحث عن بطولات واهية ومقاعد قيادية في كيانات اندثرت بفعل حماقات قادتها!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.