شعار قسم مدونات

هل حقاً كان أنصار صالح بلاطجة؟

blogs-yemen

انطلقت في الحادي عشر من فبراير 2011 ثورة شبابية شعبية ضد الفساد، وحين رفض النظام مطالب الثوار تحولت الثورة إلى المطالبة بإسقاط النظام، لست الآن بصدد السرد التاريخي لمسيرة الثورة، ولكن أود أن أسلط الضوء على الموقف من التيار الآخر الذي لم يكن مع الثورة.

إذا عرفنا الثورة كمصطلح سياسي فهي: "الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب" فإن لهذا يدعونا للتساؤل حقاً هل كان موقف الثوار من أنصار صالح صحيحاً.

لقد عمل البعض على تحويل الثورة من ثورة ضد الظلم والفساد إلى ثورة ضد حزب المؤتمر الحاكم؛ حيث بدأ الأمر بالطغمة الحاكمة (وهو أمر طبيعي) ثم انتقل بعد ذلك ليطال الحزب وكل أنصاره حتى أصبح الفرز بالانتماء فتم مهاجمة كل ما يمت للمؤتمر بصلة، وبدأ البعض يطلق مصطلح بلاطجة ضد كل من يقف ضد الثورة أو يرفض الانضمام لها، حتى ولو لم يمارس ما يبرر وصفه بالبلطجة؛ بل وصل الحد بالبعض إلى امتحان الناس بموقفهم من الثورة وتصنيفهم بناء على ذلك الموقف؛ فمن وجهة نظر أولئك كل من ليس مع الثورة فهو إما بلطجي أو منتفع أو خائن.

عمق هذا الانقسام ما حدث بعد الثورة من ثورة مؤسسات كان مبررها آنذاك المطالبة بتعيين الكفاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب،

لقد كان من الطبيعي جداً أن يكون لصالح الذي حكم البلد ثلاثة عقود متوالية أنصار ومحبون يدافعون عنه بل ويستميتون في ذلك، ويحضرون الفعاليات بدون أي مقابل مادي، وكان طبيعي أيضا أن يكونوا ضد الثورة كونهم يرونها نشاطاً ضد رأس النظام الذي يمثلهم ويمثل حزبهم، لكن مالم يكن طبيعيا افتراض أن الشعب بكامله مع الثورة وضد النظام، وأن من يحضر في السبعين هم مجرد مرتزقة حضروا لأجل مقابل مادي.

كان يفترض بالإصلاح وهو يشارك في الثورة أن يترك خلافه الحزبي مع المؤتمر جانباً؛ حتى لا تحشر الثورة في هذا الخلاف، وكي يكون الخلاف مع الفساد والمفسدين فقط، بينما يتم تحييد الأعضاء العاديين واستبعادهم من الصراع.

لقد تصاعد الخلاف بين الإصلاح والمؤتمر إبان الثورة في كل مكان في السوق والمدرسة والجامعة، في الطريق وفوق الباص وعلى مأدبة الغداء وكل يوم كان يزداد ضراوة، حتى انتهت الثورة وقد تركت انقساما مجتمعيا حقيقيا؛ حيث رأى الاصلاح أنه انتصر على خصمه المؤتمر، بين رأى المؤتمر الحاكم أن الإصلاح أزاحه من المشهد.

عمق هذا الانقسام ما حدث بعد الثورة من ثورة مؤسسات كان مبررها آنذاك المطالبة بتعيين الكفاءات ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأيا كانت مبررات ثورة المؤسسات تلك فقد وصفت بأنها استبدال موظفين تابعين لحزب المؤتمر بآخرين يتبعون الإصلاح، أو هكذا أريد لها أن تبدو، ما عزز الانقسام أكثر فأكثر، لقد كانت ثورة المؤسسات في الوقت الخطأ حيث كانت البلد حينها بحاجة إلى ما يضيق الفجوات ويعمل على احتواء الجميع حتى يدرك الناس ومن كل الأطراف أن الثورة لم تكن تستهدفهم بقدر ما كانت ضد الفساد والمفسدين.

تلك المعطيات وغيرها خلقت حالة من الاحتقان الرهيب وحب الانتقام الذي ظهر لاحقا بعد انقلاب الـ 21 من سبتمبر، حيث دفعت إرادة الانتقام الكثيرين للاتفاق بل والتماهي مع مليشيا حوثي التي جاءت بمشروعها الخاص ذي الأجندة الخارجية.

كان حزب المؤتمر مثله مثل أي حزب آخر فيه المخلصون والصادقون والوطنيون والمتدينون كما كان يحوي أيضا المنتفعين والمتنفذين الفاسدين والانتهازيين وأصحاب المشاريع الخاصة

لسنا هنا في صدد التبرير تحالف المؤتمر مع مليشيا الحوثي فلن يقول عاقل أن ما حدث للمؤتمر من إقصاء يبيح له التحالف مع مليشيا كهنوتية رجعية، وتدمير البلد بأكمله رغبة في الانتقام، بل إن ذلك خيانة وطنية عظمى وجريمة لا تسقط بالتقادم بل إنها جنت على حزب المؤتمر نفسه ومستقبله السياسي.

ولسنا أيضا في صدد تقييم الثورة فقد أطاحت برأس النظام وعملت جاهدة على إرساء دولة حديثة وبدأ يشتكل بعدها نوع من الاستقرار المعيشي والأمني ما أثار حفيظة داعمي الثورات المضادة الذين تدخلوا في المشهد وأوصلوا اليمن إلى وضعها الحالي، لكنها كانت محاولة لفهم الموقف العام من المؤتمر حينها صوابه من خطئه كي يكون أيضا درساً للمستقبل في التعامل من أي مكون وفي أي ظرف.

وحتى لا نغادر قبل أن نجيب على السؤال، فقد كان حزب المؤتمر مثله مثل أي حزب آخر فيه المخلصون والصادقون والوطنيون والمتدينون كما كان يحوي أيضا المنتفعين والمتنفذين الفاسدين والانتهازيين وأصحاب المشاريع الخاصة على حساب الوطن، وكأي حزب حاكم فقد كان يمجد زعيمه ويدافع عن رأس النظام بصفته رئيس الحزب، وهنا أترك الجواب للقارئ، هل كان صحيحا وصف كل أنصار صالح وأعضاء المؤتمر بالبلطجة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.