شعار قسم مدونات

منبوذ

blogs - man
جربتَ أن تكونَ عُرضة لهرْج أحدِهم بسبب طول شعرِك أو شكل لحيتِك، جربتِ أن تكونين مُضغةً في فم إحداهنّ لأنك ترتدين خلاف الأبيضِ والأسود، أو لأنكِ لم تتوحدي معهنّ في الملمس والملبس. هل شعرتَ يوما أنكَ واقفٌ على إحدى الدرجات السفلى من الخيرية التي رسمها بعض المتكلفين ليحددوا لك مكانكَ الثابت خارج محيطهم -ذو الأبعاد الوهمية-، ثم هل جربتَ أن تقتحم المحيط السابق لتكون جزءا من عالمهم فنبذوك رغبة في عدم شعورهم بالأمان تجاهك.
 

أسبابٌ مجهولةٌ قد تكونٌ الدافعَ وراء استثنائك المتكرر سيّما وأنت تُشكّل حملاً زائدا على العقول الحجرية التي لم تدرك يوماً أن التمايز الثقافي أو الديني أو الاجتماعي بين الخلائقِ سنةٌ كونيةٌ.

في عالمنا العربي غالباً ما نتخذُ من هيئاتنا وأشكالنا معياراً أولاً نقيّم من خلاله الآخر، نحترم الصورة ونتجاهل القيمة، نُقدّرُ الفارغَ ونخشى الملآن، نسوّق أننا الأجدرُ والأندرُ والأقدرُ بينما لا نملك من الخير غير اسمه ومن الفهم غير تعريفه اللغوي المختصر، صدقاً لا تتعجب إن قلتُ لك أني أعلمُ أناساً يُعيبون عليك حبّ البسطاء، ويستعجبون فيك مصادقة الفقراء، هؤلاء لم يعتادوا إلا تصنيف البشر حسب أشكالهم ومستوياتهم، فيحترمون على إثرِ ذلك نظراءهم من الخلق، وينبذون ما دون ذلك. ولعلنا نستذكر معاً أن في السيرة ما يستكمل الصورة التي ذكرت حين كان العرب يمرون بضعفاء المسلمين و فقرائهم بينما كانوا مجتمعين عند رسولنا الكريم ويشترطون طردهم للجلوس مع النبيّ خشية أن تعيرّهم العرب بمساواتهم مع عبيدهم.

معكم سأسبر أغوار رجلٍ لم تَرق هيئته لأنظمة القمع العربية التي اعتادت ملأ شواغرها بمزيد من الفراغ حين كانوا يُنصبون أنفسهم حكاما وقضاة لشعوبهم، لقد نبذته الوظيفة في بداياتها وهو المتميز بعلمه، الفريد بفكره، والمُلهم بروحه، لم تقبل به هيئات التدريس في بداياتها لأنهم ظنوا أن المُقعد في شكله هو شخصٌ خامل لا يمكن توليته أياً من المهام الصعبة، كانوا يعتقدون بفشله قبل أن يمنحوه الفرصة التي جاءت مؤخرا، ولك أن تُمعن التخيل معي في شعور الرجل "المنبوذ" حين كانوا يرفضونه في كل مرة، ألم يتنبأ بعضهم بشأنه القادم في أمةٍ سيُجعل "أحمد ياسين" قائدا لها .

معيارٌ ثانٍ قد يطفو على سابقه حين يقررُ أحدُنا نبذَ الآخر لثقافته المختلفة التي يرى فيها -رغم جمالها- خطأً مطلقاً يخشى تمددها على حسابه، ليروّج منه نفاثاً في كل عقدةٍ لا تُناسب مقاسه الضيق أو ادراكِه المحدود، لقد جُبلنا منذ طفولتنا على إحدى المسلّمات التي تفيدُ بأن ثقافتنا لابد أن تسير باتجاه أحاديّ، وأن التغيير الداخل عليها هو غزو ثقافي لابد من محاربته، لم يُخبرنا مثقفونا أن الثقافة تعني التمازج بين الأفكار الجيدة مهما كان مصدرها الديني أو الاجتماعي، وأننا قادرين على قبول الآخر مهما كانت ثقافته التي يحفظها في عقله الباطن وسلوكه الظاهر، نحن الذين نحدد ما يمكننا استيراده أو الامتناع عنه دون أن نقلل من قيمه أحدهم أو أن ننبذه لعدم رضانا عما هو كائن عليه.

نحنُ لم نُخلق لنَستنسخَ بعضَنا الملائكي فنصيرَ جميعنا إلى الجنة، ولا أن نقلّد بعضنا المخطئ فنصيرَ جميعنا إلى النار، لقد خلقَنا الله مختلفين متشاكسين لنقبل بكوننا كذلك ونشكر الربّ على حكمته.

أسبابٌ مجهولةٌ قد تكونٌ الدافعَ وراء استثنائك المتكرر سيّما وأنت تُشكّل حملاً زائدا على عقولهم الحجرية التي لم تدرك يوماً أن التمايز الثقافي أو الديني أو الاجتماعي بين الخلائقِ سنةٌ كونيةٌ لابد أن نفهم ماهيتها المبسطة ونعيش -كما دُبر لنا- أسوياء أنقياء .  كثيرةٌ هي المشاهدات التي تثبت أننا بحاجةٍ إلى أن نستوحيَ من روح الدين الحنيف ما يمكننا من خلاله قبول الآخر كما هو أو حتى تمكينه أحياناً، ولو كان مخالفا لقليلٍ من أفكارِنا المتغيرة التي قد تحتمل الصواب أو الخطأ .

عزيزي القارئ: لم نُخلق لنقوم بدور المُحكّم في برنامج "الحياة المثالية" فنشهد بسلامة فلان ونُقرّ باعوجاج قرينه، أو نجعل منه رابحاً وخَسراناً، أو نحترم جمال أحدهم ونُهمّشَ عديمة، أو لنصاحب عالِمهم ونستهزئ بطالبه، أو لنُصنف متدينهم ونَكفُرَ بأقلَ من ذلك.

 

نحنُ لم نُخلق لنَستنسخَ بعضَنا الملائكي فنصيرَ جميعنا إلى الجنة، ولا أن نقلّد بعضنا المخطئ فنصيرَ جميعنا إلى النار، لقد خلقَنا الله مختلفين متشاكسين لنقبل بكوننا كذلك ونشكر الربّ على حكمته. نحن لم نُخلق إلا لنكون إنسانا واحداً يُحبّ بعضه بعضاً، ندور في فلكٍ واحد، نعيش على كوكبٍ أرضيٍّ واحد، نحترم اختلافات بعضنا، نحاول التأثير فيمن نعتقده مخطئا دون أن نستعليَ بصوابنا على مخلوق نعلمه، نحن خُلقنا لننبذ كل ما ليس انسانيا، كل ما ليس انسانيا فقط.