– وزارة التربية والتعليم
هل نثق بمنتجات وخدمات المؤسسات الحكومية فيما يخص حياتنا العادية؟!هل أنتم تشعرون بالفخر عندما تقفون في طابور الانتظار في عيادة ما بمستشفى حكومي مليء بما تعرفونه من الإخفاقات؟!
في اعتقادي أن الشخص الوحيد الذي يذهب إلى مستشفى حكومي هو في غالب الأمر أو في كل الأمر مجبور على ذلك، وأنا أشعر بالأسف لأصحاب الدخل المحدود، لأنهم لو لم يحددهم دخلهم لاستغنوا عن المستشفيات الحكومية، لكنهم الآن يذهبون وأفواههم تتمتم بالدعاء لأنفسهم بالشفاء، وعلى تلك المؤسسات بالهلاك والويل والثبور..
إذن لماذا تشعرون بالفخر الشديد عندما يتعلق الأمر بوزارة التربية والتعليم؟!
لا يوجد ما يدعوا للفخر، فالمؤسسات الحكومية لا تختلف في تركيبتها عن بعضها، ففي أي مؤسسة حكومية يأتي الموظف "وفي الغالب يسمى الحج متحت أو أبو عبد الله" ثم يبدأ دوامه بتحية زميله أبو علي، والحج سعيد والحجة خيرية، وعلى ما تبقى من زملاءه مع مراعاة تساوي درجة حرارة التحايا التي يوزعها لهم حتى لا يُتهم بأنه يفضل فلانا على فلان، ثم يتكلمون عن ما حدث لزميلهم عبد الشافي الذي قضى دوامه بالأمس باحثا عن مفتاحه الذي خبأه منه زميله عبد البصير.
إنني أتحسر من أن عقول الغد ومستقبل الأمة في يد أناس أنتم تعرفون فشلهم أكثر مما أعرف، نحن نسّلم أطفالنا لمؤسسات هشة ثم نحس بالفخر الشديد لأنهم ينتمون إلى هذه المؤسسات. |
ويستمر الحديث، وتستمر النكت بلا انقطاع مع استمرار ساعات الدوام، وفي أحد أيام السنة يدخل عليهم مشرفهم بتوتر ليقول لهم بالطريقة التي تدربوا عليها منذ سنين: بأن اللجنة المراقبة في طريقها إليهم، وفجأة يتحول المقهى إلى مكتب أنيق، وأنتم تعرفون والحج متحت نفسه يعرف أنه ما أتى بهم إلا الواسطة، فهل هذا ما تفخرون به؟!
كنت ذات مرة أقف على شباك موظف حكومي، ولا أدري كيف أخبركم -بأنه تركني أقف طويلا وهو يحدّث زميلة عن أمور لا علاقة لها بمجال العمل- دون أن تتهموني بالمبالغة، وطويلا هنا تقديرها سبع دقائق، في شيء يمكن البت فيه خلال دقيقة واحدة فقط، فهذه خيانة للمؤسسة التعليمية التي كان يعمل فيها، وخيانة للمجتمع، وبتراكم هذه الدقائق تضيع ميزانية التعليم كل عام..
وأدهى من ذلك أنني قمت يوما بمراجعة موظف كان يخطط للسفر هو وزميله في أيام دوامهما، ولا أدري إن كان يظن أن الطلاب الوافدين لا يفهمون اللهجة المحلية بالقدر الكافي، أم أنه كان لا يعبأ بي إطلاقا، لقد كان يشجع صديقه المتردد بأن يرافقه للسفر، مخبرا إياه أن أبا فلان "المشرف" سيوقّع لحضورهم نيابة عنهم، وأنه فعل ذلك من قبل، ولولا ثقتي بأنكم عايشتم أحداثا أكثر قبحا من هذا، لحلفت لكم بالله العظيم على أني لا أبالغ، لكني مطمئن بأن ما أقوله هنا شيء يسير فيما يخص هذه التجاوزات.
وبعيدا عن المشكلات التي تحدثت عنها في الحلقات السابقة من هذه السلسلة، فلو اقتصرنا على مشكلة إضاعة الموارد البشرية والوقت والجهد في المؤسسات التعليمية، لاتضحت لنا مقدار ما نحن فيه من فشل، فالدول العربية تنفق على التعليم بالنسبة للناتج القومي أكثر مما ينفق الغرب على تعليمهم بالنسبة للناتج القومي، لكنها تقع دائما في مؤخرة الركب.
الأمر يا أعزائي لا يقتصر على المدراس والجامعات الحكومية فحسب، أنا أتحدث عن وزارة التربية والمنهج الذي يفترض أن يرافق الإنسان من الروضة إلى أن يصبح دكتورا، والمشكلة الكبرى هي أن تطوير هذه المناهج تحتاج إلى وقت وجهد وتفان، وأين المؤسسات التعليمية التي عرفتموها من الجهد والتفان؟!
إنني أتحسر من أن عقول الغد ومستقبل الأمة في يد أناس أنتم تعرفون فشلهم أكثر مما أعرف، نحن يا أصدقائي نسّلم أطفالنا لمؤسسات هشة ثم نحس بالفخر الشديد لأنهم ينتمون إلى هذه المؤسسات، والحقيقة أن المعادلة التاريخية لا تتغير بالنوايا الحسنة، إن كنتم لا تثقون بوزارة الصحة ووزارة الإسكان وغيرها من الوزارات، ما الذي جعلكم تشعرون بالفخر حيال وزارة التربية والتعليم؟!
ذكر الدكتور عبد الكريم بكّار في كتابه "القراءة المثمرة" بأن أعراض الشيخوخة تعتري المعلومات بنسبة ١٠٪ في اليوم بالنسبة للجرائد، و١٠٪ في الشهر بالنسبة للمجلات، و١٠٪ في السنة بالنسبة للكتب، وسؤالي هو:
هل تطوير وزارة التربية والتعليم وتحديثها للمعلومات يكون بالسرعة الكافية لمواكبة التجديد؟! هل من يقوم بهذا التطوير قام بتحديث معلوماته هو نفسه؟! أم أن روتين الوظيفة أشغلته عن هذا؟! هل الموظف الذي نأتمنه بعقولنا وبعقول أطفالنا يأخذ مرتبا كافيا لإبعاده عن الانشغال بغير وظيفته كي يتفرغ بذهن صاف للتطوير ؟!هل الموظف يمتلك دافعا مهنيا ووازعا أخلاقيا؟!
الفساد والهشاشة في المؤسسات الحكومية أمر عام لا يخص المؤسسات التعليمية فحسب، لكن الذي يقلقني ويقلق كل عاقل أن يكون مستقبل الأمة في يد مؤسسة تفتقر إلى الجودة والكفاءة والرقابة. |
هل يصل الملف المناسب في الوقت المناسب للمكتب المناسب كي يُعتمد عليه قبل فوات الأوان؟! هل هناك ميزانيات لدراسة الحالة النفسية للطالب، واستخدام الطب نفسي وسيلة لتطوير طرق التدريس، واكتشاف أكثر الطرق فعالية وتطويرها؟!هل من يقوم بهذه المهمات مؤهل لها، أم أن الواسطة التي تعرفون تفشيها في المجتمع هي من منحته هذه الوظيفة؟! هل تخصص وزارة التربية والتعليم ميزانية في الأبحاث والدراسات النفسية على الطلّاب لمعرفة تجاوبهم ورغباتهم؟!
هل تعقد وزارة التعليم منتديات ومؤتمرات جادة يشارك فيها الطالب لتطوير النظام الأكاديمي بشكل عام، وتنفيذ التوصيات بشكل فعّال؟! هل هذا ما تريدون أن تفخروا به وتحدثوا أطفالكم بـ "بكرة تكبر وتبقى دكتور قد الدنيا"؟! هل تظنون أن ٢+٢ يساوي بطيخا؟!
أنا لا أتصور أن العلم شيء مقيت، ولا أتصور أن الأطفال يولدن بكراهية المدارس، إذن فلماذا كل المؤشرات تدل على أن الطلّاب لا يرغبون في الدراسة الأكاديمية، ولماذا نلق اللوم دائما على الطالب، أليست هذه المؤسسات هشة بما فيه الكفاية لتدمّر أدمغتنا بالإهمال، وباللامسؤولية؟!
الفساد والهشاشة في المؤسسات الحكومية أمر عام لا يخص المؤسسات التعليمية فحسب، لكن الذي يقلقني ويقلق كل عاقل أن يكون مستقبل الأمة في يد مؤسسة تفتقر إلى الجودة والكفاءة والرقابة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.