ولأننا دوما نتحرك في حقول ألغام أؤكد ابتداء على أن الانتهاكات مرفوضة وينبغي التصدي لها ولمن يمارسونها أينما كانوا وتحت أي شعار مارسوها، وأن الانتهاكات تقع في المنطقة الغربية كما تقع في الشرق الليبي، فلا تبرير لإجرام كائن من كان ولا تفسير للاعتداءات التي تقع على الليبيين إلا إنها انتهاكات وجرائم ينبغي وقفها.
مقصدي النقدي هنا وما أردت تناوله بوضوح هو الموقف من الانتهاكات والجرائم والانجرار وراء بواعث الخصومة وأسباب الخلاف أو العداوة دون تمييز بحيث يصبح المتصدرون للخطاب والتوجيه مبرمجون على موجة واحدة، وواقفون أمام جانب واحد من جوانب المشهد لا يرون سواه.
رفض الانتهاكات مبدأ أخلاقي وإنساني ومقوم بنيوي ونهضوي ينبغي يمارس بنزاهة ويجب أن تواجه الانتهاكات بشدة بغض النظر عن مرتكبها أو من وقع عليهم الانتهاك. |
راعني أن أرى عددا من المثقفين والنشطاء الذين تورطوا في الصراع السياسي الواقع اليوم يقعون فيما يقع فيه البسطاء الذين يجرفهم الصراع فيتلبسوا بدرجة عالية من الكراهية فلا يرون إلا أخطاء خصومهم فيشيعونها ويجعلونها مادة إعلامية للنيل منهم، بينما تصم آذانهم وتعمى أبصارهم عما هو أفضع في الوسط القريب منهم والمحيط بهم، فقط لأن من يرتكب هذه الفضائع من أنصارهم أو ضمن جبهتهم في الصراع أو خوفا على وحدة صفهم.
من عنيت تكتشف مجاهرهم الدقيقة عوار الخصوم بالمنطقة الغربية من التراب الليبي فلا يفوتها الهفوات فضلا عن الكوارث، وكثيرا ما يسلطون الضوء عليها ويتناولونها من كافة أبعادها، وهي سقطات موجودة وانحراف بل انتهاكات ما ينبغي السكوت عنها أو التسامح حيالها.
الطامة أن من عنيت تقع بجوارهم كوارث مشابهة وانتهاكات خطيرة في المناطق التي ينشطون فيها، غير أنها تمر ولا جلبة ولا صوت ولا احتجاج ولا سخط؟!
لا أعفي النشطاء وحتى المبرزين سياسيا وفكريا في المنطقة الغربية من التلبس باللوثة ذاتها، ولكن المتابعة الدقيقة تجعلك تكتشف أنها أشبه بظاهرة لدى شريحة أوسع من النخبة والنشطاء في الجبهة الأخرى.
خطورة الكيل بمكيالين في الجرائم والانتهاكات ليس فقط يفقد هؤلاء المصداقية عند من يتخندقون معهم في نفس الجبهة قبل غيرهم حتى وإن لمن يفصحوا عن ذلك لدواعي الصراع والخوف من سطوة الآخر المعادي أو لأسباب آخرى ليس الوقت والمقام مناسب لشرحها، بل يجعل منهم المسؤولين بشكل مباشر عن تلويث المناخ وتأزيم الوضع بالشكل الذي يصعب معه الترميم والمعالجة.
الازوداجية البغيضة التي يتورط فيها المثقفون والنشطاء خاصة الذين عارضوا النظام السابق بقوة وكانوا عينا على الانتهاكات التي وقعت منذ سبتمبر 1969 بشكل مبهر تدفعك للاعتقاد بأن معارضتهم لاستبداد وبطش القذافي إنما لأنه تركز عليهم وعلى التيارات والأحزاب التي كانوا يمثلونها أو ينتمون إليها، لأن بوادر الاستبداد ظاهرة، وأيضا الانتهاكات التي بعضها يتطابق وتلك التي تورط فيها النظام السابق تمر ولا تلقى نفس المعارضة من هؤلاء بل ولا حتى الإشارة البسيطة.
رفض الانتهاكات مبدأ أخلاقي وإنساني ومقوم بنيوي ونهضوي ينبغي يمارس بنزاهة ويجب أن تواجه الانتهاكات بشدة بغض النظر عن مرتكبها أو من وقع عليهم الانتهاك، وعندما يخفق المثقف والنشط السياسي والحقوقي في التعامل مع كافة الانتهاكات بنفس الطريقة، أو يتورط في التمييز بينها لأسباب سياسية أو فكرية، فقد انسلخ عن القيم الأخلاقية فضلا عن تلك الإنسانية.
أخطر نتائج ازدواجية النخبويون أنها تعود بالضرر على المنطلقات الفكرية والسياسية التي تبنوها وطالما تحدثوا عنها في مقالاتهم ومؤتمراتهم وعلى أساسها مهدوا للتغير في أوساطهم السياسية والاجتماعية، فالتصدي للاستبداد بكافة أشكاله وتوثيق الانتهاكات والتحرك في كل مناسبة واستغلال كل فرصة لفضحها ومواجهة المتورطين فيها والدعوة لصون الكرامة الإنسانية والدفاع عن الحريات بشجاعة سيصبح اليوم تاريخ مشكوك فيه بدل أن يكون حافز يبنى عليه ومواقف تذكر في كل وقت وحين وذلك بسبب هذا الانحياز المقيت.
فهل من وقفة مع النفس ويقضة للضمير قبل أن يتلوث كل شيء وتضيع القيم التي لا رجاء في بناء وتنمية ونهضة من دونها؟!.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.