شعار قسم مدونات

السيادة كمفهوم.. وكيف أصبحت بعهد الأسد؟

A photo released by the official Syrian Arab News Agency (SANA) on 12 September 2016 shows Syrian President Bashar al-Assad (C) touring Daraya city after performing Eid al-Adha (Feast of the Sacrifice) prayers at the city's Saad Ibn Muaz Mosque in Daraya, outside Damascus, 12 September 2016. Others are not identified. More than 3,000 civilians and some 800 rebel fighters have been evacuated fom the town on 25 August, under the conditions of a humanitarian accord betwe
السيادة كمفهوم لم تصل إلى عالمنا المعاصر إلى إلا عبر حقبة من المسار التاريخي تطورت بفترات زمنية معينة، وارتبط استعمالها وفهمها بحسب المعرفة النسبية للإنسان والمعنى العام لها تعني السلطة العليا وهي ركن أساسي من أركان الدولة.
 

وقبل الخوض بهذا المسار لابّد من توضيح الهدف من هذا الطرح والذي يكمن في معرفة ماهية ومفهوم السيادة لنصل إلى كيفية استخدامها لدى نظام البعث الحاكم في سوريا من قبل الابن الوريث لحافظ الأسد وكيفية استغلاله لها بالتفرد بالسلطة عن طريق مفهوم السيادة الوطنية وخاصة إبان انطلاق شرارة الحرب السورية في 2011.
 

السيادة اصطلاحياً هي وصف للدولة الحديثة ولها الكلمة العليا على كل مفاصل الدولة والأفراد ضمن الدولة ملزمين بالانصياع لتلك السلطة بموجب عقد اجتماعي يطلق عليه بالعصر الحديث الدستور التشريعي، وهي لغوياً تتجذّر من سود حيث يقال فلان سيد قومه ورب البيت هو سيد البيت وتأتي من ساد أو سود أي بمعنى استحكم على الشيء أي سيطر عليه وأصبح سيداً عليه ومتصرفاً به.
 

قبل بداية المجتمعات والانتقال إلى التمدن ثم إلى الدولة كان الرائج والسائد أن السيادة صفة متلاصقة لزعيم القبيلة العشائرية فقد كانت السيادة للشيخ الكبير، عبر عنها ابن خلدون في كتابه "المقدمة" بأنها تندرج تحت مسمى العصبية القبلية فكانت العصبية هي التي تحكم بشخص وحيد وباقي الأفراد يقدمون الولاء له والحماية مقابل حمايتهم من أي عداء خارجي وكان كثيراً ما يلجاً كبيرهم إلى استجلاب موالين له من خارج جنس القبيلة ويقدم لهم المغريات والمال ليمنع أي محاولة تمرد داخلية ليتفرد بالحكم.

عزز حافظ الأسد عبر العديد من المصطلحات السياسية مفهوم السيادة واختصر سوريا بشخصه واستفرد بالحكم لأكثر من أربعين سنة حتى ورثه ابنه بشار وأكمل المسيرة

ثم انتقلت السيادة إلى رجال الكنيسة في العصور الوسطى لتكون سنداً للبابا للتفرد وترسيخ السلطة فكانت السلطة الحاكمة آنذاك للكهنوت، والكنيسة هي السلطة العليا وإليها يلجأ الجميع لحل مشاكلهم إضافةً أنها كانت تستخدم الدين لصالح السياسية وتلعب دور الواسطة بين الإله والإنسان، عن طريق تقديم صك الغفران وعليه بقيت السيادة حكراً للكنيسة إلى أن قامت الثورة الفكرية عُرفت بعصر التنوير في القرن التاسع عشر استطاع روادها أن يقلصوا سلطة الحاكم (البابا) وفصل الدين عن الدولة وإلغاء دور الوساطة.
 

وإبان شروق شمس الحضارة الغربية في أوربا أُنشأت مدارس فكرية وتناول العديد من المفكرين والفلاسفة مفهوم السيادة واختلفت آرائهم فتزعم المدرسة الفرنسية المفكر الفرنسي "جان بودان" والذي اشتهر بتحليله لمفهم السيادة وسنأتي إليه لاحقاً. وارتبط مفهوم السيادة في العصر الحديث بإرادة السيد الواحد بمدى قدرته وقوته على فرضها أمام إرادة الجماعة لكبحها وجعلها طوعاً لقوانينه التي سنها من خلال تشريعات ودساتير تم صوغها بما يخدم بقاء السلطة حكراً بيد شخص واحد يسمو بسلطة عليا ومطلقة ضمن المصطلح الأكبر والأكثر شمولية بمفهوم الدولة.
 

بهذا أصبحت السيادة معبرة عن رغبة شخص بمفرده يمثل عزلة عن الأفراد يُمثلهم أمام الرأي العام ويكون لزاماً عليهم أن يتنازلوا عن كامل حقوقهم الخاصة والمشتركة لصالح السيد الأول بموجب عقد اجتماعي تطور عبر حقب تاريخية لتصل أخيراً إلى حضن آل الأسد في سوريا بدءاً من الأب حافظ الأسد وصولاً إلى الوريث بشار ر الأسد المتغني ليلاً نهاراً بمفهوم السيادة الوطنية والتي تجزأت على مرأى العالم منذ أن جعل سوريا مسرحاً لتثبيت الإرادات الدولية الإقليمية انطلاقاً من نقطة الارتكاز السورية على حساب سيادته الخاصة .
 

اتضح أكثر مفهوم السيادة بدعم حافظ الأسد عندما استلم سدة الحكم في شباط/فبراير 1971 وعندما استحكم بمفاصل الدولة رسخ مفهوم السيادة الوطنية لسوريا عن طريق القوة والابتعاد عن معناها الحقيقي كمفهوم اصطلاحي يُعنى بتنظيم أمور الجماعة وإعطاء كل الحقوق الفردية والشخصية بميزان العدل والمساواة.
 

عزز الأب عبر العديد من المصطلحات السياسية مفهوم السيادة واختصر سوريا بشخصه واستفرد بالحكم لأكثر من أربعين سنة حتى ورثه ابنه بشار وأكمل المسيرة بإدخال نظرية التطوير والتحديث والانفتاح على الغرب محاولاً تقديم صورة لشعبه أنه نموذج لتطبيق الديمقراطية وإعطاء الحقوق والواجبات ومع انطلاق الشرارة السورية لثورة شعب مضهد وضعت السيادة السورية على المحك وسرعان ما انكشفت النوايا مؤكداً الأسد أنه أكثر تمسكاً وأشد صرامة من أبيه للاستحكام والسيطرة على سوريا عبر مفهوم السيادة الوطنية وإصراره على منع انتهاكها.
 

عندما طالب الشعب السوري ببعض الحقوق والواجبات بطريقة سليمة سرعان ما جاء الرد عليه عن طريق مفهوم السيادة فقد استعمل الابن هذا المفهوم بلغة الطائرات والمحرقة الجماعية فعُرفت سيادته بالهولكوست السوري، وعندما أوجع السوريون ركائز سلطته استنزف الأسد قوته ولم تعد تكفيه فتم الانتقال إلى مرحلة أخرى هي تقسيم السيادة السورية مع الدول الكبرى والسؤال هنا هل السيادة كمفهوم تُقسّم؟
 

الجواب نعم قلنا سنعود للمفكر الفرنسي بودان الذي تكلم عن تجزئة السيادة انطلق بودان من السؤال كيف يمكن تجزئة السيادة الجواب يكمن من خلا تبعثر قوة السيادة باعتبارها أنها جملة من الأوامر والنواهي وتحديد الولاء لشخص واحد عن طريق القوة الجبرية والسلاح فتتبعثر القوة، ما يفسح المجال إلى الفتن وحدوث صراعات واندلاع حروب أهلية.
 

وهذا بالضبط ما قام به الأسد عندما تشتت قوته في الدفاع عن ملكه، فطلب المدد من إيران واستجلب مرتزقة ومليشيات من حزب الله اللبناني والعراق والأفغان ليصل به المطاف إلى دخول روسيا وتشكيل حلف سياسي من العديد من الدول المناصرة له وكل هذا حصل على حساب تجزئة السيادة وتقديم سوريا لهم بكل ما تحوي من خيرات وثروات على طبق من ذهب، فقط المقابل البقاء على كرسي العرش في العاصمة دمشق.
 

السيادة عند الأسد: الابتعاد كل البعد عن جوهر القانون وتدمير المنظومة الأخلاقية والروحية وتفتيت المجتمع عبر التهجير القسري، وتفكيك النسيج الاجتماعي عبر طرق مستمدة من العديد من الملاحم التاريخية

جان بودان أنصف مفهوم السيادة عندما فصل بينها وبين الملكية الذاتية للفرد:
إن الوقوف على إبراز الملكية الفردية وإظهار مجال المشاركة وفصلهما يعد من الأسس التي تقوم عليها الدولة، ومن هنا فإن العلاقة الأساسية تقوم على أن السيادة التي حاز عليها الحاكم يجب أن لا تهضم حق المواطنين من الملكية الخاصة، فالعدل هنا هي الصفة الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الحاكم وتمنعه من سلب حق الجمهور فعمد بودان إلى التمييز بين أنظمة الحكم على أساس القانون، وقال إن الطاغية ينظر إلى القانون نظرة ثانوية لأنه ينظر إلى الجمهور نظرة عبيد ويحق له التصرف بهم كيف يشاء.
 

أما الحاكم العادل والذي وصفه بودان بالحاكم الرشيد فهو ينظر إلى القانون على أساس العدل وليس نظرة ثانوية ويتوجب على الحاكم جعل القانون متوافقاً مع المنظومة الأخلاقية والروحية ومفهوم السيادة له يستمدها من خلال نظره إلى روح القانون والتعامل به على أساس تقديم مصلحة الجمهور على مصلحته الخاصة.

مفارقة كبيرة بين ما ميزه بودان وبين ما ميزه الأسد من الابتعاد كل البعد عن جوهر القانون وتدمير المنظومة الأخلاقية والروحية وتفتيت المجتمع عبر التهجير القسري، وتفكيك النسيج الاجتماعي عبر طرق مستمدة من العديد من الملاحم التاريخية التي ارتكبت أكبر الجرائم بحق الإنسانية.

ولازال الأسد بعد كل ما سردناه يُطلق تراجيديا ويقدم محاضرات عن مفهوم السيادة الوطنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.