كثيرا ما تأتي للإنسان رسائل خفية من الله تنتظر أن يفتحها ويتعلم منها دروسا وعبرا بحيث لا تشبه تلك الرسائل ما يرد للآخرين، فلكل إنسان ورقة امتحان تليق بمكانته عند الله يبعث بها العليم الخبير إلى عباده دون استثناء وفي الوقت المناسب وعلى الطريقة التي يفهمها كل منا بحيث تجعله يراجع حساباته ويواجه نفسه بما يأتيه من أقدار.
وقد تبقى تلك الرسائل مغلقة عن فهم الكثيرين حبيسة الذكريات في أرشيف المجهول فما إن يقع الإنسان في مصيبة حتى تخرج له من بين ركام أحزانه أو يحاول نبشها من غياهب الظلمات وقراءة سطورها في النور الذي تسلل إلى قلبه جراء ما يتعرض له.
فأن تكون لك القدرة على قراءة الرسائل الربانية فهذا يعني أن الله قد أراد لك الخير حتى في الشر الظاهر إليك، فطالما أنك قد فتحت الرسالة ووعيتها جيدا فهذا يعني أنك تتمتع بإيمان سليم نوعا ما وقلبا لم يطبع عليه بطابع الأشقياء. فالذين يتمتعون بهذه القدرة لديهم تكليف إضافي على غيرهم من الناس ألا وهو تربية أنفسهم وحملها على العمل بما علمت وليس طي الرسالة وجعلها في أرشيف النسيان لتتكاثر من بعدها الرسائل وتصبح أثقالا في ميزان العبد يوم القيامة لأنه ما استفاد من هذه النعم المسداة إليه وفضل أن تبقى شاهدا عليه.
بتغذية الروح يمكن للإنسان أن تزداد قدرة تحمله وقوة قلبه وثباته، ولكنه طبع الإنسان الذي جُبل على النسيان وروحه التي خلقت من عَجَل تريد دائما أن تستبق الأحداث. |
فمعنى أن يبعث الله إليك بمن ينصحك أو يقويك في لحظات الضعف والفتور فهذه منة من الله عظيمة قد اختارك لها من بين ألوف التائهين واليائسين، ومعنى أن يزورك حلم مزعج ليذكرك بالذكر قبل النوم أو أن تصحو فجأة في وقت السحر لتقوم لله في وقت يندر فيه القائمون، فهذه لا شك رسائل خفية يبعثها الله لمن أحب من عباده.
وقد تأتي الرسائل على هيئة مادية كأن يسوق الله لك رزقا أو ثمرة من بلد بعيد لتأكلها وتكون قد قطعت في رحلتها مسافات طويلة إلى أن وصلت إلى فمك، فهذا يعني أن الله يريدك أن تطمئن لرزقك فما كان لك لن يأخذه أحد غيرك ولو اجتمع على ذلك أهل الأرض كلهم ولو كان بعيدا عنك بعد المشرقين. وأن ترى في سرعة أخذ الموت لأغلى أحبابك من جانبك رسالة في أن لا تتعلق بإنسان مهما أحببته وأن تتوب من ذنوبك التي لا زلت مصرا عليها قبل فوات الأوان.. فكل ذلك من رسائله سبحانه وأنت كنت من ضمن الذين استحقوا هذا التنبيه والتذكير.
نعم أنت والرسائل الواردة إليك أكثر من تحصر في مجلدات، فمنذ أن خلقت وإلى هذه اللحظة لديك الكثير والكثير منها لتتعلم وتزداد قربا ومحبة منه سبحانه وأنت لا زلت مصرا على تجاهلها بل وحذفها من حسبانك أحيانا، وهي قد تكون من أكثر أسباب زيادة إيمانك وقربك من الله فيما لو أخذت بها.
فالآيات التي تذكر بالسير في الأرض والتفكر في ما حولنا كثيرة جدا، وكأن المطلوب أن تفتح قلبك للحياة وتشغل فكرك فيما يدور حول تلك المعاني الروحية، فبتغذية الروح يمكن للإنسان أن تزداد قدرة تحمله وقوة قلبه وثباته، ولكنه طبع الإنسان الذي جُبل على النسيان وروحه التي خلقت من عَجَل تريد دائما أن تستبق الأحداث وتقفز فوق الزمن لترى ما لا يمكن رؤيته علها تدرك ما حُجب عنها وتتعرف على الغيب قبل أن يصبح شهادة..
وفي مقابل ذلك تعجز عن فتح رسائل ربها الحاضرة والشاهدة عليها دون إيمانها بأنه اللطيف والخبير بما يناسب تكوين كل إنسان منا والعليم بما يدور بداخله، فأنت لم تخلق عبثا أبدا "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون"، فأنى لهذه الروح أن تسكن إلا بالله وألطافه، وأنى للإنسان بالعيش الطيب دون أن يعي ما يرده من رسائل ربانية ليتربى ويعمل بها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.