أعرق أحياء دمشق القديمة والتي يشكل المسيحيون غالبيتها أخذت معالمها بالتغير وأصبح رموز كالحسين وزينب واللطميات والمظاهر الشيعية الأخرى تحتل الأحياء المسيحية التاريخية التي عاش فيها القديس والراهب الدمشقي يوحنا الذهبي الفم والذي عرف بهذا الاسم لما أضافه من ذخر كبير للكنيسة البيزنطية.
اللافت أن يوحنا الدمشقي عاش في دمشق و دافع عن معتقداته المسيحية البيزنطية في عصر الأمويين في عام ستمائة وستة وسبعين وكان يوحنا و عائلته من الأصدقاء المقربين من الخليفة هشام بن عبدالملك.
هكذا كانت دمشق حاضنة لكل أبنائها بل محفزة لهم على العمل والنشاط والإبداع والتمسك بثقافتهم. أحياء دمشق التي مشى فيها يوحنا الدمشقي بيعت قبل أشهر لأكثر نظام إسلامي متطرف يحكم دولة في العالم وهو نظام الملالي الذي يعدم الأقليات ويطمس ثقافتها في إيران المتنوعة ثقافياً ودينياً فكيف سيفعل إذا في سوريا..
اعتداءات بالجملة تعرض لها المطران من مأجورين من السلطة، تهديدات وصلت لحد القتل وأخيراً تم إبعاد المطران الذي طرح تساؤلا مشروعا جداً.. الكنيسة السورية اليوم وبمختلف طوائفها تأن من القمع والضغوط التي تتعرض لها |
نظام الملالي لم ينتظر كثيراً بل بدأ منذ حلول ميليشياته في دمشق بالعبث بالتركيبة السكانية للعاصمة العريقة، فعدا عن تهجيره سكان المناطق الحاضنة للثوار أخذ بإغراء بعض الدروز في جرمانا بالمال للانضمام لميليشياته، كما أغرى عدداً من الشباب المسيحي في دمشق على الانضمام للميليشيات الشيعية المنتشرة بكثرة في دمشق.. الانضمام لميليشيا شيعية يعني مشاركة المقاتلين الشيعة هتافاتهم الطائفية والتبرك من الحسين وزينب بعد كل طلقة يطلقونها على أعدائهم والدعاء للخامنئي بطول العمر والمزيد من التمدد والانتشار والدعاء على دول الاعتدال العربي المسلمة التي لطالما كانت حليفة للمسيحيين في المنطقة وليست عدوةً لهم..
كل هذا لا يشبه المسيحيين في شئ والطامة هي أن من وقع من الشباب المسيحي في أيدي ميليشيات إيران هم الشباب المنحدرين من العائلات الأكثر فقراً التي لم تتمكن من مغادرة البلاد.. ما يزيد وضع المسيحيين في سوريا بؤساً هو أن رجال الدين الحاكمين للكنيسة في سوريا مثلهم مثل أي رجال دين حاكمين في طائفة أخرى.. لا يتم اختيارهم إلا برضى مخابراتي عليهم أضف إلى ذلك اليوم الرضى الإيراني، ما ينبئ بمزيد من التدجين لمسيحيي سوريا الغاضبين من استمرار تلاشي وجودهم وثقافتهم من أرضهم الأم..
بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة السورية قام كبير رجال الدين السريان في مدينتي بطرح تساؤل بسيط جداَ من على منبره الكنسي. السؤال كان "لقد قالت الحكومة أنها ستقوم بإصلاحات.. ما زلت لا أرى إصلاحات على أرض الواقع بل المزيد من الدم" هذه الجملة كانت كفيلة بدب الرعب في قلوب الطائفة في المدينة.. اعتداءات بالجملة تعرض لها المطران من مأجورين من السلطة، تهديدات وصلت لحد القتل وأخيراً تم إبعاد المطران الذي طرح تساؤله المشروع جداً.. الكنيسة السورية اليوم وبمختلف طوائفها تأن من القمع والضغوط التي تتعرض لها.
فباسم قتال داعش وحماية المسيحيين من داعش تتسلط إيران على ثقافة المسيحيين في سوريا لطمسها. مسألة بيع دمشق القديمة لنظام الملالي أمر يستدعي وقوف الكنيسة كلها وقفة رجل واحد بوجه نظام الملالي الذي بات يتحكم بدمشق كدمية تخصه. طبقة رجال الدين المسيحي ماتزال غير قادرة على الخروج من عباءة النظام ومازالت غير مستوعبة أن هذا النظام قد سقط فهي تتبنى عداوة أعدائه وصداقة أصدقائه دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه الثقافة المسيحية المندثرة في سوريا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.