مستلهما مبدأ "مونرو"، والذي حاول روزفلت أن يطوره بعض الشيء، ضرب "ترمب" على وتر حساس، يلمس حاجة المواطن الأمريكي في هيمنة عدد من المؤسسات علي المقدرات العامة للبلاد، وأرسل رسائله للمواطن الأمريكي، بأن أمريكا الجديدة ستكون أفضل بالنسبة له، ومهددا الدول الطاردة للسكان باتجاه الولايات المتحدة، لا سيما المكسيك ودول امريكا اللاتينية.
كما أن الواقع العالمي يسمح له بالتحرك بأريحية، فقد أرسل رسائله للروس بورقة رفع العقوبات، وللصينيين بتعيين زوج ابنته مسؤولا عن ملفهم، أي أنه يتابعه عن كثب. |
اصطدم "ترمب" بمؤسسات الدولة العميقة، حتي قبل تنصيبه رسميا. فاشتبك مع وكالة المخابرات المركزية CIA، كما اشتبك مع عدد من وسائل الاعلام، وصولا إلى فناني السينما العالمية. وأكد على أن أمريكا عادت للمواطن مرة أخرى، وكأنها كانت مخطوفة من قِبل المؤسسات الحاكمة، فهو- على حد قوله- سيعود في قراراته للشعب الأمريكي، هاتفا: "أمريكا أولا، أمريكا أولا"، وانتقد انتفاع قلة في واشنطن من الحكومة، بينما يتحمل المواطنون العبء الأكبر، قائلا: "الآن سيتغير الوضع. هذه هي لحظتكم".
وكانت سخريته اللاذعة ممن سبقه من الإدارات، الجمهوري منها والديمقراطي، مثار تساؤل للعديد من المراقبين! فأمريكا ستفتح صفحة جديدة لكن إلى أين؟ في أول خطاباته يصنع "ترمب" عدوا خارجيا جاهزا، ليعلق عليه الكثير من القرارات التي سيجبر شعبه عليها. هو من الآن يعلن الحرب على ما أسماه "الإسلام الإرهابي" في كل مكان. أول قرار اتخذه، كان تعيين وزير الدفاع، قبل أن يتناول غداء على شرف الرئاسة.
الأحجار التي ألقاها "ترمب" ستحرك مياها راكدة في مواقع كثيرة داخلية وخارجية. فهناك كتلة معارضة وضاغطة ستتشكل في الداخل، في وجود رموز اجتماعية وسياسية كبيرة. فهو بلا شك سيزيد الانقسام في الشارع الأمريكي، إلا أن الواقع المؤسسي سيسمح له بالحركة والتمركز والانطلاق في اتجاهات مختلفة. كما أن الواقع العالمي يسمح له بالتحرك بأريحية، فقد أرسل رسائله للروس بورقة رفع العقوبات، وللصينيين بتعيين زوج ابنته مسؤولا عن ملفهم، أي أنه يتابعه عن كثب. كما أن هناك من هرول تجاهه ويخطب وده دون جهد! مثل السيسي في مصر وغيره.
في تحليلي -المتواضع- ستكون حقبة "ترمب" مليئة بالأزمات داخليا وخارجيا. وسيدخل في صراع شديد مع مؤسسات دولته العميقة، التي تتحكم بالفعل في طريقه، وسيكون مصيره مخالفا لمصير كينيدي، الذي اصطدم بتلك المؤسسات فكان اغتياله. "ترمب" يمتلك من الذكاء ما يجعله ينتبه جيدا، حتي للمقربين منه، وسيعمل على اختيار مساعديه بطريقه مغايرة لمن سبقوه، وسيسعى للتمكن والسيطرة على كل المؤسسات.
أحجار "ترمب" لا شك أنها ستصيبه، لكن أكثر من سيتأذى منها بداية هو المواطن الأمريكي، ويليه الشعوب الإسلامية، التي ستعاني من جنونه في صب جام غصبه عليها، لأنها -حسب رأيه- راعية الإسلام الإرهابي الذي تحدث عنه. الأيام ستكشف عن أن "ترمب" يحمل معه نهاية الولايات المتحدة كدولة عظمي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.