شعار قسم مدونات

عن القطار الذي في نهاية نفقه.. سَنُسحَق

blogs - سكة قطار
في امتحان مادة التفاضل والتكامل في الثانوية العامة كان هناك سؤال شبه مضمون عن رسم الدوال الرياضية، كان السؤال دائمًا يطلب نقاط حرجة للدالة، وقيم عظمى وصغرى، ونقاط الانقلاب إن وجدت. كانت دائما نقاط الانقلاب هي الأسهل من وجهة نظري خاصةً بعد رسم الدالة؛ لأنها النقطة التي تتحول عندها الدالة تمامًا ويتغير مسارها سواء صعودًا أو هبوطًا، فكان إيجادها سهلاً ودرجتها مضمونة.

إنَّ ما يحدث في العالم اليوم أشبه بالدالة الرياضية، تقترب الأحداث فيه من القيمة العظمى في الأحداث. ولكنها تتصاعد على المحور الخاطئ للأسف، تسير الأحداث في العالم ناحية محور الجنون والعنصرية، بدأت الأحداث تتحرك ناحية المناطق الحرجة للدالة، هذه المناطق التي تشبه في تكون أحداثها وأطراف صراعها ما كانت عليه الأمور قبل الحرب العالمية الثانية.

ولكن تختلف الأمور بعض الشيء عمّا سبق، الفرق هذه المرة في أمرين؛
الأول: أنه هذه المرة لا أحد يعلم كم ستستمر الأحداث في التصاعد ويستمر الجنون في التحكُّم، فنقطة الانقلاب أتت في الماضي بعد خمس سنوات من القيمة العظمى المطلقة من الحرب، أما هذه المرة، فيبدو أنه تطور الفِكر متطرف وأنه سيرافقنا كثيرًا.

يأتي ترامب ليعيد إلى أذهان العالم حروب الجمهوريين التي نجني ثمارها الآن بعد ظهور داعش في العراق.

أما الثاني: أنه ليس مجنونًا واحدًا فحسب هو الذي يصعد لرأس قوة عالمية، بل العديد من الفاشيين الشعبويين، مجنانين السلطة الأغبياء، الذين وجودوا الطريق ممهدة لهم لتولي الأمر، حتى من كانت الطريق غير ممهدة له استخدم دبابته لتمهيد الطريق وسحق الحواجز التي كانت الديمقراطية بدأت في إقامتها.

بدأت الأمور تتصاعد بظهور ذلك المراهق المخبول على رأس السلطة في كوريا الشمالية، ذلك الشاب الثلاثيني الذي يحلم كل يوم بأن يحكم العالم.. أو يدمره. لا يهم أيا ما يستطيع سيفعل. أظن أنه لم يشاهد بينكي وبرين عندما كان صغيرًا، ولذلك فربما يظن أنَّه صاحب الفكرة وأنَّ من حقه أن يحكم العالم طالما هو صاحب الكرة.. أقصد الفكرة!

أما عن الأخرق الآخر، فهو الدب الروسي المصاب بجنون العظمة، الذي على استعداد لأن يحرق العالم كله بشرط أن يكون موجودًا على طاولة المفاوضات، لا يهم ما سيجري ولا يهم كم من الدماء ستُراق، المهم أنه يشعر أنه ذو أهمية، وأن يتلقى خطابًا صباحيًا من أحدهم مكتوبٌ فيه: صباح الخير يا سيدي، كيف حالك اليوم؟ أتمنى أن تكون بخير. يسعدني اخبار سيادتكم بأننا قطعنا أشلاء عشرين أسرةٍ سوريةٍ ليلة البارحة، كانت أصوات صراخهم مبهجة من شدة ألم الاحتراق يا سيدي. صباحكم سعيد.

وبذكر الدب الروسي لا يجوز أن ننسى الشبيح السوري، هتلر سوريا، ذلك الرجل الذي مهما تكتب عنه لن توفيه حقه، فكيف يمكن أن تصفه؟ مجنونًا ذو أنف طويلة، يقتل شعبه في الليل ثم يذهب لصلاة الفجر في صباح اليوم التالي، فينتهي من الصلاة فيعاود قتلهم مرة أخرى؟. كيف نتحدث عمن تسبب في أكبر عملية تهجير لشعبه في التاريخ الحديث؟.

يأتي ترامب ليضع شوكةً جديدة في رحم الطموح بعالم أقل دموية ينافس بعضه في الترقي لا في الخبل، عالمٌ لا تتحدث فيه قائمة القتلى والهجرة بشكل يومي، عالمٌ خالي من غوغاء اليمين المتطرف.

ولا يجوز أن نتحدث عن رؤوس السلطة المجانين ولا نذكر بوصلة الفلاسفة في العالم الحديث؛ السيسي. الرجل الذي يتوقف رجاله عن تعذيبك إذا اعتقلت عشان الآذان، ثم يقوم بارك الله فيه ليتوضأ ويصلي ليعود بعدها إلى وضع أعضائك الحساسة بين قطبي الكهرباء، ثم إذا تعفّن الدم على جسدك وفاحت منه رائحة نتنه يرشون عليك معطرًا للجو حتى لا تؤذي رائحتك أنف سيادته. أظن أنه الاستمرار في الحديث عنه مضيعة للوقت.

ثم خَتَمَت الأحداث جنونها في صباح الأربعاء الحزين بترامب، ذلك العنصري المتعجرف، رجل الأعمال المجنون، السياسي الأحمق، والرئيس الدموي عما قريب. يأتي ترامب ليختم الدائرة الدموية الحالية التي تسير بالعلم ناحية الهاوية، أو بالأحرى ناحية القيمة العظمى من الخلافات والحروب، إننا نتجه مباشرة ناحية شعاع النور الذي يأتي من نهاية النفق الخانق الذي دخلنا فيها.. ولكنه ليس شعاع أمل، إنما هو قطار حروب دموية جديدة، ودمار عالمي هائل.

يأتي ترامب ليعيد إلى أذهان العالم حروب الجمهوريين التي نجني ثمارها الآن بعد ظهور داعش في العراق المهلهل، وأفغانستان التي لا تخلو فيها صلاة جمعة من حزن يسكن البلاد نتيجة انفجار في مسجد ما.

يأتي ترامب ليضع شوكةً جديدة في رحم الطموح بعالم أقل دموية ينافس بعضه في الترقي لا في الخبل، عالمٌ لا تتحدث فيه قائمة القتلى والهجرة بشكل يومي، عالمٌ خالي من غوغاء اليمين المتطرف، ويكره العنصرية، ينفُر من الخطاب الشعبويّ المقزز، عالمٌ لا يجد فيه أعداء الديمقراطية مبررًا لدحضها، عالمٌ تتحسن الآدمية فيه، عالمٌ لا يتحكم في مصادر تدميره سواء القوى النووية، أو المال، هؤلاء المجنانين بالسلطة، المدمنين على رائحة الدم، المنتشين بمناظر الجثث تحت الأنقاض أو على ضفاف الشواطئ. ولكن.. كل هذه الأمور ما هي إلا طموحات وأماني، أملٌ كان جميلًا، ولكن الأملَ شيءٌ خطير. لا مفر، فالقطار قادم لا محالة، وطبول الموت قد قُرعت، وعويل النساء قد بدأ يرن في الأفق.. سَنُسحَق!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.