شعار قسم مدونات

أن تكون مليونيرا.. فرض عين أم كفاية؟

blogs - دولارات
كنت مؤمنة إيمانا مطلقا حتى وقت ليس ببعيد بفلسفة علي شريعتي التاريخية عن نعمة الحرمان. وهي أن الإنسان المسؤول في مواجهة المجتمع، والملتزم برسالة من أجل الناس، والمجاهد في سبيل عقيدة إنسانية ينبغي أن يقيم حياته الفردية على مبدأين سلبيين حتى تبقى حياته الاجتماعية والعقائدية راسخة على مبدأ إيجابي: الأول ألا يملك شيئا حتى لا يتحول إلى (محافظ) من أجل أن يحافظ عليه. والثاني ألا يكون راغبا في شيء حتى لا ينجرف أو ينزلق من أجل اكتسابه أو يبدي ضعفا بالنسبة له. فيكون زهده وقناعته ركيزة استقلاله وحريته وشجاعته وصموده وثباته. وهذا هو معنى النقاء الثوري.

فإذا لم تكن شاهدا على عصرك، ولم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق والباطل، وإذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر في العالم، فكن ما تشاء: مصليا في المحراب أو شاربا للخمرة في الحانات، فكلا الأمرين سواء!

لكن كيف ستتمكن من فعل ذلك بدون قوة أو سلطان؟ و(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) صدق رسول الله. ولا سلطان في عصرنا سوى المال. لأن المال من أهم أسباب القوة. ولكن للأسف تجدنا لا نعرف شيئا في عالم المال والاقتصاد. فقد تعودنا أن نكون دائما في أسفل الهرم. جزء منه موروث يجب علينا كسره، يربط في عقلنا اللاواعي بين الدين والتدين والزهد في الحياة وأن المال ليس هدفا فلا نسعى حقا للحصول عليه.

معظمنا يعيش الأسطوانة المشروخة، تلك التي سارت كما قال لنا آباؤنا: اذهبوا للمدرسة وحققوا الدرجات العالية، ثم ادخلوا الجامعة ثم جدوا وظيفة آمنة. 

أما من ناحية أخرى فمعظم أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال ليسوا من الملتزمين بالدين الإسلامي، والقلة القليلة الملتزمة تجدهم يفصلون الحياة عن الدين والاشتغال بالأمور العامة خوفا من المساءلة أو حفاظا على ما يملكون، أو قد يخفون الخير إن فعلوه اعتمادا على: لا تعلم يسراه ما أنفقت يمناه، وأنا لست مع هذا. حيث إنه ليس المطلوب فقط من صاحب المال والقوة مساعدة المسكين وإنفاق المال على المحتاجين فحسب، بل عليه استخدام ماله وقوته لنصرة الدين وتطبيق الولاء والبراء.

لأنه لو طبقه أصحاب الأموال الملتزمون لكانوا قد شكلوا ما يشبه اللوبي في مختلف المجالات لتحقيق أهداف الدين العليا في الاستخلاف في الأرض و لظهر ذَا الأثر على المجتمع عندما يدعمون بعضهم البعض كما الماسونية والليبرالية واليهود. لكننا حتى الآن كل يغني على ليلاه فلا تكاتف ولا تناغم. الجميع يجمع الثروات ولديه عقدة النقص تجاه الآخر. فتجده يركض وراءهم يرجو رضاهم وهم يذلونه. ويؤذي من يواليه ويحمي ظهره ويلتزم بمبادئه، فلا هو حاز على اهتمام غير الملتزم أو الفاسق أو غير المسلم، ولا استفاد من الملتزم مثله الماد يده إليه.

لذا نحن ما نزال بعيدين كل البعد عن جوهر الولاء والبراء. فلا تعجب ممن والى غير الملتزم في العمل لعقدة في نفسه، أن يوالي العدو في الحروب الكبرى والمعارك.

لكن معظمنا يعيش الأسطوانة المشروخة، تلك التي سارت كما قال لنا آباؤنا: اذهبوا للمدرسة وحققوا الدرجات العالية، ثم ادخلوا الجامعة ثم جدوا وظيفة آمنة. لتصبح طبيبا أو محاميا أو انضم للجيش أو الحكومة ثم تزوج وابدأ أنت وزوجتك إن كانت تعمل أيضا بجني المال، واتعبوا في وظيفتكم حتى تنالوا الترقية والعلاوات على الرواتب ثم اشتروا منزلا وسيارة. وإن كان ما معكم لا يكفي خذوا قرضا من البنك. وأنجبوا الأطفال. وكدّوا أكثر في عملكم لتنالوا المزيد من العلاوات والترقيات، ثم انصحوا أطفالكم بالاجتهاد في الدراسة ونيل الدرجات العالية للعثور على وظيفة آمنة مستقرة. فلا يتعلم أطفالنا عن المال شيئا سوى من أولئك الذين يربحون من وراء سذاجتهم، فنعمل كلنا بكدّ طوال حياتنا لحساب الآخرين. وتتكرر هذه العملية في جيل آخر يعمل بكدّ. هذا هو مسار الفأر. وهذه هي الوصفة السحرية لنبقى نركض في الدولاب، ذلك الذي إن حاولنا أن نتوقف فيه لحظة لالتقاط أنفاسنا، رمانا إلى الخارج.

هل تعتقدون أن جيلا كهذا يستطيع أن يغير شيئا في العالم؟ أو حتى في نفسه؟
تعمل الطبقتان الفقيرة والمتوسطة حتى تجنيا المال، أما الطبقة الثرية، فتدع المال يعمل في خدمتها. فالأثرياء لا يعملون لقاء المال بل مالهم يعمل لأجلهم.

عذرا شريعتي، فلسفتي الجديدة تقوم على مبدأين إيجابيين حتى: الأول أن يكون صاحب مال وثراء حتى يكون حرا، فلا يستعبده أحد في لقمة عيشه. والثاني أن يستطيع الحصول على كل شيء متى أراد.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله). تستطيع أن تكون صاحب اليد العليا كما عبد الرحمن بن عوف، أو يمكنك أن تختار أن تكون عمار بن ياسر، رضي الله عنهما. أنت صاحب الخيار.

تستطيع أن تأخذ بنصيحة (ادرس بجد لتجد شركة جيدة فتعمل بها) أو (ادرس بجد حتى تجد شركة جيدة فتشتريها). هو ذات الفرق بين لا تخاطر وكيف تدير المخاطر. يمكن أن تؤمن بأن (منزلنا هو استثمارنا الأضخم و أصلنا الأكبر) بينما يؤمن آخر بأن (منزلي إنما هو التزام، و إذا كان منزلك هو استثمارك الأضخم، فأنت واقع في مشكلة).

في الكتاب الأكثر مبيعا: الأب الغني الأب الفقير لروبرت كيوزاكي، كان يقول الأب الفقير: المال ليس مهما، أما الأب الغني كان يقول المال قوة.

ويحضرني هنا ما حصل بعد انتصار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، فقد أعلنت أمريكا للعالم أن سعر أوقية الذهب 35 دولارا- مع الضمان-. وشجعت العالم أجمع على استخدام الدولار بدل الذهب. ووعدت الدول أنها ستستبدل الدولارات وقت حاجتهم ذهبا. في نهاية عام 1971 طلبت بريطانيا من الولايات المتحدة الأمريكية استبدال 10 مليار دولار ذهبا. فكان جواب نيكسون رئيس أمريكا: بلطوا البحر. وعرفت بصدمة نيسكون، حيث أصدر قرارا بمنع إخراج الذهب من أمريكا. وعليه قفز سعر أوقية الذهب إلى 400 دولار وواصل ارتفاعه حتى وصل 800 دولار، ثم استقر على 500 دولار. وهكذا حكمت الولايات المتحدة الأمريكية العالم، بعد أن سرقت ذهبهم. هذه هي قوة المال.

فعذرا شريعتي، فلسفتي الجديدة أن الإنسان المسؤول في مواجهة المجتمع، والملتزم برسالة من أجل الناس، والمجاهد في سبيل عقيدة إنسانية ينبغي أن يقيم حياته الفردية على مبدأين إيجابيين حتى تبقى حياته الاجتماعية والعقائدية راسخة على مبدأ ثابت: الأول أن يكون صاحب مال وثراء حتى يكون حرا، فلا يستعبده أحد في لقمة عيشه. والثاني أن يستطيع الحصول على كل شيء متى أراد، حتى يسخره في خدمة رسالته. فتكون قوته المالية ركيزة استقلاله وحريته وشجاعته وصموده وثباته.

وأخيرا لا تنس أن المال ليس إلا فكرة، فإن أردت الحصول على مال أكثر ما عليك سوى أن تغير من طريقة تفكيرك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.