دعونا أولا نقف على المفهوم الأصح للثورة، ففي قواميس المنظرين تختلف التعريفات وتكثر، ولكن رغم غمرة البدع يظل مركز الثقل المفهوماتي للثورة هو تلك الهبة التي ترفع فيها الشعارات فتحدث التغيير وبلا هذا التغيير يظل عصيا علينا تسميتها بالثورة، ونلتجئ حينها إلى مفردات أخرى أقل لطفا.
إن الوقوف على مصطلح التغيير وما وصلت إليه ثوراتنا العربية هو البحث الوحيد الذي لا بد أن يشغل طيفا من باحثينا اليوم، فقد سجل التاريخ خروج ثورات عفوية مرتجلة منادية بشعار واحد: الشعب يريد إسقاط النظام، لكن سقط النظام في بعض الأقطار وتنحى كرها في أقطار أخرى، وصفقت الشعوب لبعضها بعضا، وهجعت بعض الأنظمة وركضت لإصلاحات استباقية تنأى بها من الانزلاق في منعرج الثورات المخيف. فلا شك أن ظاهرة العدوى التي تحدث عنها كل من المنظر الفرنسي غوستاف لو بون وسيرج موسوكفتشي كدرت على عدد من الأنظمة راحتها وصارت تقوم بالإصلاحات ابتغاء لمرضات الشعوب ووقاية من انتقال عدوى الجماهير التي إن انتفضت لن تسكت إلا بذاك المطلب الأول وربما الأخير "الشعب يريد إسقاط النظام"، فإن وضعنا النموذج التونسي على طاولة تشريح، نرى تفجر الثورة التي لم تقعد إلا بعد أن اقتلعت نظام الاستبداد، سقط الطاغية بن علي وهرب مذموما مدحورا لكن! هل اكتفى شعب تونس بشعاره الأول والأخير إسقاط النظام. الإجابة نعم!
متى تستفيق شعوبنا وتفهم أن الثورة هي ثورة التغيير في الداخل والخارج، ثورة ضد نبع فساد الحاكم والهيمنة الغربية معا. |
نموذج تونس لا يعفينا من ذكر نموذج ليبيا الأسوأ والذي أسقط النظام فيه لكن حلت محله الحرب الأهلية، نموذج اليمن وسوريا ومصر، ولكي لا أسقط في مطب مقارنة ثوراتنا بثورات الغرب فرنسا وأمريكا وصولا إلى آسيا كثورة الصين 1949، سأكتفي بوضع الأصبع على الجرح ألا وهو التنبه لما كانت عليه الهيمنة الغربية وما أصبحت بمفعول ما سمي بالربيع العربي.
ها قد قامت الثورات لكنها أحكمت قبضة الهيمنة الغربية، ثارت ضد الطاغية لكن من دون أن تتحرك قيد أنملة ضد من يحرك الطاغية، فمتى تستفيق شعوبنا وتفهم أن الثورة هي ثورة التغيير في الداخل والخارج، ثورة ضد نبع فساد الحاكم والهيمنة الغربية معا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.