في هذه القصة نعرف مدى تأثير الكلمة التي تنتشر سماعيا عندما ترددها الألسن، فكيف إذا كانت الكلمة تنتشر عبر نقرة صغيرة في المجتمع الافتراضي؟ جملة صغيرة يكتبها أحدهم خلف الشاشات بدوافع مختلفة، للثأر الشخصي أو لتحطيم المعنويات أو لمجرد السخرية لحصد أكبر عدد ممكن من الإعجابات. كذبة صغيرة قد تصبح وصمة ملازمة لشخص ما لا يمكنه الفكاك منها!
في مواقع التواصل تصبح الصدارة لأي حدث ما عبر رد الفعل المصاحب له. يكفي للمتابع عن أي موضوع أن ينقر على الهاشتاغ الذي يتكلم عنه حتى يرى كمية التنمر والسخرية في تداول هفوات الشخصيات العامة حين يتم رجمهم إلكترونيا بأقسى العبارات.
كلمة واحدة في نقرة واحدة تتمحور حول شخصٍ ما، قد تعرش على جدران روحه وتزهر بداخله حياة ثانية وترفعه لأعلى قمم السعادة، وكلمة واحدة تلقي به في هوة عميقة في قعر الوجع ليتخبط في ردهات العذاب! |
كان كابوس المشاهير في السابق هو عدسة الباباراتزي وصحف الفضائح، لكن الآن أصبحوا يخافون من أن تتم "هشتغتهم" أو جعلهم Memes في مواقع التواصل.
والميمز هو تداول صورة لشخصية عامة مع عبارة ساخرة أسفل الصورة مثل: شكلي عندما كذا وكذا.
حتى الغلطة الطباعية الصغيرة تصبح في زمن الـ "سكرين شوت" هفوة فادحة لا تغتفر، كما حدث مؤخرا مع الفنانة اللبنانية كارول سماحة التي تصدرت مواقع التواصل تغريدتها مع غلطة كتابية قامت بتعديلها ولكن أحدهم أخذ لقطة شاشة للتغريدة الأصلية وانتشرت بكثرة لتلقى عاصفة من السخرية والتهكم، مما جعلها تنشر تغريدة عبر حسابها في تويتر للرد على المتابعين بحزم: من كان منكم بلا غلطة مطبعية فليرجم كارول بحجر.
غير أن المشاهير يعرفون ضريبة الشهرة ومؤهلون مسبقاً لمواجهة الشائعات مهما كانت قاسية لحصولهم على الدعم والتوجيه من مديري أعمالهم. لكن هذه الكلمات الجارحة إذا كانت موجهة إلى شخص عادي مغمور اجتماعياً، قد تتغير حياة هذا الإنسان إلى الأبد! كما حدث مع المراهقة الكندية: أماندا تود، أماندا تعرضت لعاصفة من سخرية زملاء المدرسة عبر الفيسبوك وكانت تقرأ التعليقات المحبطة والساخرة في مواقع التواصل مما تسبب بإصابتها باكتئاب حاد وتدهورت حياتها حتى عاشت كابوسا لا يتوقف بسبب التنمر الإلكتروني، وفي النهاية أقدمت على الانتحار!
ما يمكن أن نعتبره انطباعا شخصيا يصبح قاعدة عامة في غضون ثوان قليلة، الأمر هكذا وبكل بساطة، حيث يقومون بإقناع الجمهور عبر نقرات قليلة وسريعة في مواقع التواصل أن هناك نمر يتجول في السوق حسب المثل الصيني، الكذبة نمر صغير يفترس حياة الضحية ويفتك بها بسرعة.
وعلى الجانب الآخر من ضحايا التنمر هناك من تتغير حياته للأفضل بعد تعرضهم للسخرية في مواقع التواصل!
وهذا ما حدث عندما تم نشر تغريدة تضم صورة لعامل نظافة في أحد الأسواق وهو ينظر بحسرة خلف واجهة محل للمجوهرات مع تعليق ساخر على الصورة يستصغر شأن عامل النظافة ويسخر من فقره، تم تداول الصورة بكثرة مما تسبب بموجة حادة من ردود الفعل التي ولحسن الحظ قد غيرت حياته إلى الأبد! تم التبرع له بعدة أطقم مجوهرات ومبالغ طائلة بعد تعاطف العديد من المتابعين من فاعلي الخير الذين ساءهم تعرضه للتنمر الإلكتروني فهبوا لمساندته.
إن من يقوم اليوم بدور الناقد المفترس قد يقع بين ليلة وضحاها في مصيدة النقد الافتراضي. ومن يقع بتلك المصيدة يصعب خروجه منها للأسف. |
هي كلمة واحدة في نقرة واحدة تتمحور حول شخصٍ ما، كلمة واحدة قد تعرش على جدران روحه وتزهر بداخله حياة ثانية وترفعه لأعلى قمم السعادة، وكلمة واحدة تلقي به في هوة عميقة في قعر الوجع ليتخبط في ردهات العذاب! حتى في مجالي ككاتبة غنائية كانت تحبطني الرسائل والتعليقات المسيئة كلما تم نشر أغنية قمت بكتابة كلماتها مثل هذا التعليق الشهير: ما هذا الهراء الناس يموتون وأنت تكتبين الكلمات للأغاني! في الحقيقة لا يوجد هناك كتيب أو كتالوج يعلمنا كيف نكتب ومتى؟ فإرضاء الناس غاية لا تدرك. ما إن تلج إلى العالم الافتراضي بحساب جديد عليك أن تعلم جيداً أن جميع المستخدمين في هذا المجتمع لا حصانة لهم: وأينما يكونوا سيدركهم النقد!
لذلك انطلقت مؤخرا في مواقع التواصل حملة تتصدى للتنمر الإلكتروني بعنوان: نظف حسابك. الحملة أطلقتها هزار نجار وهي مدونة شابة تعرضت للتنمر الإلكتروني بسبب مشاركتها في حملات توعوية اجتماعية.
الخوف من ردة الفعل والصدى المرافق لأي عمل يشل الشخص عن الإقدام على أي فكرة، حتى مجرد نشر صورة أو تسجيل موقف شخصي أو مشاركة بالرأي أو إبداء أي اعتراض يصبح عائقا عن التحرك والتصرف خشية مواجه كلام المجتمع الافتراضي الذي ما إن يلتقط ضحية جديدة حتى يقوم بسلخها إلكترونيا بعد أن "ينتف ريشها" بالتغريدات والهاشتاغات والمنشورات بلا رحمة!
إن من يقوم اليوم بدور الناقد المفترس قد يقع بين ليلة وضحاها في مصيدة النقد الافتراضي. ومن يقع بتلك المصيدة يصعب خروجه منها للأسف. في النهاية أذكر عبارة ﻷناتول فرانس: إذا ردد خمسة ملايين شخص مقولة حمقاء.. فإنها تبقى حمقاء!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.