شعار قسم مدونات

المساعدات الإنسانية للصومال: هل تؤدي أغراضها؟

BLOGS- الصومال
برزت أهمية موضوع المساعدات الإنسانية في السياسة الدولية بصورة كبيرة منذ الحروب الكبرى في القرن الماضي، لكن مدى فاعلية هذه المساعدات بالنسبة إلى الدول التي تتلقاها ظلت مثار تساؤل، وتمثل الصومال نموذجا للدول التي تتلقـى المساعدات الإنسانية منذ ما قبل انهيار الدولة وحتى الآن، والتي بلغت أرقاما كبيرة تستحق التوقف عندها، فهل أدت المساعدات المقدمة إليها غاياتها الإنسانية والإنمائية أو حتى الاقتصادية؟
 

لا شك أن صور المساعدات التي تقدمها الدول المتقدمة اقتصاديا إلى الدول النامية تتعدد من دعم مالي وسلعي أو مساعدات فنية أو غيرها، وكلها دون شك يندرج تحت مفهوم المساعدات ما دام غرضها التنمية. ويتعزز حجم المساعدات نوعا وكما في أثناء الحروب وفي الأزمنة اللاحقة لها، وهنا يحضرنا مشروع مارشال؛ حيث أدت المساعدات المالية الضخمة التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للدول الأوروبية إلى إعادة إعمارها وتحريك الدورة الاقتصادية التي دمرتها الحرب وأعادت تشغيل المصانع.
 

بما أن الصومال يصنف سياسيا كدولة فاشلة، فإنه من الصعب أن يتم رصد عمليات الفساد التي تصاحب المساعدات التي تقدم للصومال؛ وذلك لضعف المؤسسات الحكومية وغياب بعضها الآخر.

ولا يختلف اثنان أن المساعدات الخارجية كثيرا ما ارتبطت بالسياسات الخارجية للدول المانحة؛ بغرض التأثير على السياسات الداخلية أو الخارجية أو كليهما للدول المستقبلة للمنح والمساعدات. وكلما اقتربت الدولة المستقبلة للمنح والمساعدات من متطلبات المانحين وتوجهاتهم كان حظها أكبر من حيث حجم المساعدات ونوعيتها تبعا لوضعها وأهميتها الاستراتيجية بالنسبة للدول المانحة، فأحد الفرضيات حول أهداف خطة مارشال تتحدث عن أهمية وقف المد الشيوعي، وبالتالي استهدفت استقطاب الأوروبيين تجاه المشروع الغربي.
 

ومع الاستمرار الملحوظ للإخفاقات الاقتصادية والتنموية للدول النامية وتزايد بؤر الصراعات المسلحة في العالم، أصبح اعتماد الدول النامية على المساعدات يتزايد وبزخم أكبر من ذي قبل؛ للتغلب على التدهور الاقتصادي وتبعات الإخفاقات والحروب.

ويلاحظ في العقود الأخيرة اتساع نطاق الجهات المانحة التي تقدم المساعدات كالمنظمات الدولية غير الحكومية وصناديق التنمية الإقليمية، بل وحتى دول كالصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل لم تعد الحكومات هي الجهة الوحيدة لتلقي المساعدات والمنح، بل هنالك قدر غير قليل من المساعدات باتت تقدم مباشرة إلى هيئات خاصة ومنظمات المجتمع المدني.

وبالرغم من الغايات الإنسانية المفترضة لهذه المساعدات فإن هنالك تأثيرات جانبية سلبية لها ومنها:
التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز التبعية الاقتصادية، وهو الأمر الذي أدى برئيس بوليفيا أيفو موراليس إلى طرد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في آيار 2013 متهما إياها بالتآمر والتدخل بالشؤون البوليفية.
غياب الأسس التنافسية والموضوعية في إرساء العقود، كما حدث في عقود إعادة إعمار كل من العراق وأفغانستان وشبه الفساد التي رافقت ذلك.
 

الجزء الأكبر من المساعدات المالية لا يتجاوز تغطية التكاليف الإدارية والموارد البشرية واللوجستية لوكالات الإغاثة بما في ذلك رواتب العاملين المرتفعة فيها خاصة من العاملين الغربيين.
عدم تكافؤ الفرص الوظيفية، أو وجود "المحسوبية"، وهي سائدة بشكل كبير في عمليات التوظيف وتحديد الرواتب.

تعتبر الصومال نموذجا مهما للدول التي تقدم لها المساعدات المالية منذ عقود طويلة، وما زالت تشكل هذه المساعدات أحد مرتكزات الاقتصاد، وبالتالي تشكل جزءا مهما من موارد موازنة الدولة. لقد أدى إدمان الاعتماد على المساعدات الخارجية إلى اتكال الحكومات الصومالية المختلفة عليها؛ مما أدى إلى عدم تشجيعها على تطوير موازنة تكون أكثر اعتمادا على الموارد الوطنية للدولة الصومالية، وهو ما أدى إلى تراكم الدين العام للصومال، ومن ثم خضوع الدولة الصومالية لإملاءات أجندات المانحين مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
 

وبسبب الحرب لم يكن لمعظم الهيئات الإغاثية والإنسانية مكاتب تذكر، ولكن مع مرور الوقت بدأت معظمها تفتح مكاتب صغيرة تمثلها، بينما تركزت المقرات الرئيسة لهذه الهيئات في دول الجوار وخاصة في كينيا التي يبدو أنها استحوذت على الحصة الكبرى منها، وهو ما أدى إلى تقليل فرص العمل بالنسبة للصوماليين في هذه الهيئات إلى الحد الأدنى، بينما زادت حصة الوظائف للكينيين. بالإضافة إلى ذلك، هنالك أساليب أخرى للتحايل على توظيف الصوماليين، ومنها وضع شروط غير موضوعية للوصف الوظيفي للوظيفة الشاغرة كاشتراط اللغة السواحيلية أو اللغة الأمحرية، مع أن العمليات والمراسلات تتم في الصومال بالإنجليزية، وهذا يعني تلقائيا حذف مرشحي الوظيفة من الصوماليين.
 

وبما أن الصومال يصنف سياسيا كدولة فاشلة، فإنه من الصعب أن يتم رصد عمليات الفساد التي تصاحب المساعدات التي تقدم للصومال؛ وذلك لضعف المؤسسات الحكومية وغياب بعضها الآخر، وهو ما يعني بالتالي ضعف المعلومات الموثقة، وانعكاس ذلك على غياب الشفافية. فقد أكد مركز مقديشو للبحوث والدراسات في موقعه على الإنترنت في أكتوبر من العام المنصرم "أن الأمم المتحدة فصلت مسؤولا كبيرا في بعثتها للمساعدة في الصومال بعد توجيهها تهما إليه تتراوح ما بين التورط في معاملات في السوق السوداء إلى الاحتيال، إذ تفيد معلومات حصل عليها موقع إيست أفريكا بأن الأمم المتحدة فصلت مدير مكتب بعثة الأمم المتحدة لدعم قوات الأميصوم UNSOA – وهو مكتب تابع لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في الصومال – أمادو كمارا بعد اتهامه بإعطاء عقود لأشخاص؛ بهدف تقاسم الأرباح معهم".
 

ما يصل إلى أيدي الحكومة والمؤسسات التابعة لها ومنظمات المجتمع المجتمع المدني لا يخلو من إشكاليات سوء الإدارة والفساد؛ مما يعني أن الصومال لا يستفيد من هذه المساعدات.

وبحسب إحدى المنظمات المتخصصة في رصد المساعدات الدولية للدول (Global Humanitarian Assisatnce – GHA) في عام 2013 بلغت مجموع المساعدات للصومال نحو 861 مليون دولار، ذهب 297 مليونا منها لقوات حفظ السلام، بينما خصص 458 مليون دولار للمساعدات الإنسانية، وهذه أرقام كبيرة جدا لدولة مثل الصومال، ولا يمكن لمثل هذا المبلغ أن يظهر أثره إلا لو ضخ في مشاريع البنية التحتية والمساعدة في بناء الدولة، لكنها على ما يبدو ذهبت في مسارات أخرى.

ويبدو أن حجم المساعدات أكبر مما رصدته هذه المنظمة، ويعود السبب إلى صعوبة رصد جميع المساعدات؛ لغياب الشفافية في مؤسسات الدولة، ويعضد هذا الرأي أحد التقارير التي رصد تدفق المساعدات إلى الصومال بتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي من جهة ومع الحكومة الصومالية من جهة أخرى، ويظهر في البرنامج أن قيمة المساعدات قد تجاوزت المليار دولار سنويا منذ عام 2011.

هذه الأرقام الكبيرة مؤشر مهم على أن المساعدات الخارجية للصومال لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في العالم؛ إذ تخضع لإملاءات الأطراف المانحة وأجنداتهم المختلفة التي كثيرا ما تتضارب مع التوجهات التي تتبناها الصومال كدولة. وهنا لا بد -من باب الإنصاف- أن نذكر أن ما يصل إلى أيدي الحكومة والمؤسسات التابعة لها ومنظمات المجتمع المجتمع المدني لا يخلو من إشكاليات سوء الإدارة والفساد؛ مما يعني أن الصومال لا يستفيد من هذه المساعدات كأمة إلا في أضيق الأطر. وهذا يستلزم من الحكومة والنخب أن تضع حلولا وبرنامجا وطنيا للتعامل مع الإشكاليات التي تصاحب المساعدات الخارجية؛ وذلك لمراقبتها وضمان كفاءتها وحسن إدارتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.