شعار قسم مدونات

التركي سلب عقولنا

blogs - مهند ونور
آثار انتباهي في الفترة الراهنة إقبال الشباب والمراهقين الشديد على المسلسلات التركية والكورية والهندية، ومحاولتهم تقليد هذه المسلسلات بصورة عمياء حتى أن أصحاب المحلات التجارية اعتمدوها وسيلة لنفقة بضائعهم. المثير للاهتمام أن الأمهات هنّ أول من يتابعن هذه المسلسلات جاذبين أولادهن حولهن دون إدراك للرسائل والآثار المنبعثة من مشاهدة هذه المسلسلات، بل ويفتخرون بذلك. هنا جرفني الفضول لمشاهدة مشهد صغير من مسلسل تركي مع فتاة لا تتجاوز السادسة عشر عاماً، الأمر الذي فاجئني بشدة، فقد لاحظت عادات وتقاليد وثقافة ودين تختلف تماماً عما تربينا عليه أو بالأحرى عما تنص عليه حدود المجتمع العربي مثال، القتل السرقة، الغش، الانتحار، العلاقات غير الشرعية، الحمل قبل الزواج وغيرها كثير.

لا بد من وجود هدف معين حول بث مثل هذه المسلسلات والأفكار لكي تجذب اهتمام فئة معينة وهي الشباب، عماد كل أمة، هل استوقفك الأمر لبعض الوقت وسألت يوماً لماذا؟ بدايةً تم دبلجة هذه المسلسلات باللهجات العامية وبالأخص السورية لكي تكون أقرب لهم، وفي حين أن المحور الأساسي لكل مسلسل هو قصة حب فمن هنا جاء الحافز الأكبر لمشاهدتها.

فالمجتمع العربي بشكل عام يفتقر لمفهوم الحب، بكل أشكاله، الحب عند العرب، بالأخص حديثاً، هو عبارة عن منشور على فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي. هل سألت نفسك يوماً متى كانت آخر مرة قلت فيها لابنتك أنا أحبكِ؟ أو متى كانت آخر مرة قال فيها ابنك لأخته أنا أحبكِ؟ إذا كنت لا تذكر، فدعني أعتبره سبباً قوياً لبحث أفراد عائلتك عن الحب في أماكن أخرى.

كشف الفنان السعودي حسن عسيري عن تقاضي النجمة التركية توبا بويكستون الشهيرة بلميس 60 ألف دولار، مقابل مشاركتها في حلقة واحدة من المسلسل.

وفي العودة إلى محور الحديث فإن انجذاب عماد الأمة لمثل هذه الأفكار الغربية بحلة اللهجة السورية هو أحد أول أسباب انهيار وهبوط ثقافتنا وحضارتنا العربية بانشغال عقولنا بما لا يسمن ولا يغني من جوع. وهذا واضح جداً مما وصلت إليه الأمة العربية حديثا من هبوط واضح، في الدين، في الثقافة، في الحضارة، وفي العلم وغيرهم. فأصبح الناس يعيشون في عالم الخيال الموجود في هذه المسلسلات من علاقات غرامية وموضة وأشياء لا تمس لواقعنا بصلة.

لنرجع إلى الخلف قليلاً عام 2008 حين تم عرض أول المسلسلات التركية، نور وسنوات الضياع، كانت المرة الأولى التي أرى فيها العرب متفقين على شيءٍ ما. فقد أجمع الجميع أن المسلسلات التركية أفضل من المسلسلات العربية. ومن هنا بدأت المقارنة من حيث معاملة الزوج للزوجة، وشكل الزوجة وغيرها من الأشياء الخيالية أو الرومانسية التي لا علاقة لها بالواقع. ففي البحرين منحت فتاة بحرينية خطيبها أسبوعاً واحداً فقط ليغير شكله وتسريحة شعره وسلوكه ليصبح نسخة طبق الأصل من مهند في الشكل والتصرفات، أو ينفصل عنها. وما كان من خطيبها إلا أن منحها ما طلبت وطلقها في اليوم التالي.

في حادثة أخرى أثارت سيدة سعودية دهشة الحاضرين في عزاء في مدينه جدة بعد أن فاجأت من حولها بطلب بعيد كل البعد عن أجواء المناسبة حين سألت عن مكان التلفزيون لمشاهدة المسلسل التركي نور وروت إحدى الحاضرات، أنه بينما كنا مشغولين بطقوس العزاء وإعداد القهوة والشاي للضيوف جاء الطلب المفاجئ من تلك السيدة وهي تسأل: أين أجد التلفاز وبعد سؤالها عن سبب بحثها قالت: أريد متابعة المسلسل، وذلك من دون أن تكترث إلى نظرات الناس الساخطة. وفي عام 2015 أوضحت السلطة القضائية العراقية، أن الأعوام العشرة الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وحول إحصائية قامت بها صحيفة إيلاف الإلكترونية فإن السبب الرئيسي لارتفاع نسبة الطلاق يرجع إلى شبكات التواصل الاجتماعي والمسلسلات المدبلجة بحيث وصلت إلى 70 بالمائة.

في الموسم الثالث من مسلسل بيني وبينك السعودي، كشف الفنان السعودي حسن عسيري عن تقاضي النجمة التركية توبا بويكستون الشهيرة بلميس 60 ألف دولار، مقابل مشاركتها في حلقة واحدة من المسلسل، بينما تقاضت النجمة سونغول أودين الشهيرة بنور 35 ألف دولار نظير عملها في المسلسل نفسه الذي تم عرضه على قناة أم بي سي. فماذا لو تم صرف هذه المبالغ الهائلة في مشاريع لتقليل نسبة البطالة في الوطن العربي واستقطاب شبابه الذين باتوا يفضلون الهجرة على المكوث في أوطانهم كعالة على أهلهم.

تذكر بأن القيمة ليست بكثرة الوقت ولكن بما ستفعله في هذا الوقت مع غيرك. فكم من عائلة لا تغادر منزلها وبالكاد تجتمع حين عرض مسلسل أو على رسالة إلكترونية.

والسؤال الأهم هنا ما هي الفائدة من إحضار هاتين الممثلتين؟ هل وجودهم يعزز قيمة أخلاقية ما؟ هل وجودهم سيساعد المحتاجين؟ هل وجودهم سيساعد على حل مشكلة ما؟ ما هو الهدف؟
إلى متى سيبقى العالم العربي يغرق في الوحل؟ متى ستستيقظ الأمة العربية من سباتها؟ متى سأقول بلاد العرب أوطاني بكل فخر؟ بلاد ابن سينا والخورازمي والمتنبي وشوقي وغيرهم. إذا كنا نفضل اتباع الغرب لهذه الدرجة فلماذا لا نقلدهم بأشياء إيجابية. ماذا عن القراءة؟ مسابقات التهجئة؟ الذوق؟ الترتيب؟ النظام؟ أليست أشياء يقوم بها الغرب أيضاً.

عشر دقائق فقط هي ما يلزمنا للتغيير الإيجابي، أياً كان موضعك في أسرتك. عشر دقائق مع زوجتك لتسألها عن أحوالها وأحوال المنزل وتشعرها أن هناك من يشعر بتعبها، عشر دقائق مع زوجكِ ليفرغ ما في جوفه من قبح العالم خارج أبواب المنزل، ليشعر بالملاذ في بيته. عشر دقائق مع أطفالك لترى رسوماتهم وتلاعبهم قليلاً، وتسألهم عن مسلسلاتهم المفضلة وهواياتهم، فيشعرون بدعمك لهم خلال طريقهم.

عشر دقائق مع أمك تسألها كيف أمضت يومها، وهل ترغب بشيء لتنال رضاها. عشر دقائق مع والدك، تخبره عن إنجازاتك وفضله عليك لتشاركه حياتك. عشر دقائق لصديقك لتخبره عن وجع الأيام وتضحك من قلبك. وطبعاً، عشر دقائق لنفسك. ولا تنسى في كل مرة أن تنهي حديثك بكلمة أحبكْ. فلهذه الكلمة تأثير كبير جداً على صناعة أممٍ بأكملها. وتذكر بأن القيمة ليست بكثرة الوقت ولكن بما ستفعله في هذا الوقت مع غيرك. فكم من عائلة لا تغادر منزلها وبالكاد تجتمع حين عرض مسلسل أو على رسالة إلكترونية على الواتس اب أو لربما تعليق على موقع الفيس بوك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.