شعار قسم مدونات

بيجن وتوحيد اليمين الصهيوني

blogs - جندي إسرائيلي
كانت جمع شتات التكوينات الصهيونية المسلحة التي تنتمي لليمين الصهيوني في فلسطين أمرًا يبدو مستحيلا، في ظل تزايد قبضة حكومة الانتداب، وتحالف اليسار الصهيوني مع الحلفاء في ذروة أحداث الحرب العالمية الثانية، وهو ما رسم شكلا جديدًا من أشكال التمثلات الضمنية التي بلورت موقفًا يبدو للوهلة الأولى شديد الوضوح، وقد تصور الجميع أن الستار قد أسدل، وقد بات إعلان نهاية اليمين الصهيوني مسألة وقت، ليصبح اليسار وجناحه العسكري الهاجاناة في صدارة المشهد السياسي المحتدم، حيث كانت الفترة من 1940 إلى 1943م قد شهدت انتكاسة كبرى لليمين الصهيوني، وأصبحت الإرجون بلا قيادة رسمية بعد رحيل قائدها الأعلى جابوتنسكي، ومصرع رئيس قيادتها دافيد رازيئيل David Raziel، بينما تمزقت جماعة شترن تماماً.

بيجن وإرهاصات التمرد الصهيوني:
ظلت الإرجون بلا زعيم حتى جاء مناحم بيجنMenachem Begin ليتولى قيادتها في ديسمبر 1943م، بعد أن دخل فلسطين سرًا من شرق الأردن، حيث كان جنديًا في الفرقة البولندية التابعة لجيوش الحلفاء، وانفصل عن وحدته بعد حصوله على إذن رسمي بتسريحه من الخدمة، ثم تمكن بعد ذلك من التسلل إلي فلسطين ، وعلي الفور شرع بيجن في تنظيم الإرجون بمعاونة يعقوب ميردورYaakov Mridor، والذي كان يتولى القيادة بصفة مؤقتة بعد مصرع رازيئيل، حيث أعاد بيجن بناء الهيكل التنظيمي للمنظمة، والذي تكون من قيادة عليا تستشير هيئة أركان حرب منظمة في إدارات، كما تم تنظيم الهيئة العامة للإرجون في فرق يتلاءم حجمها مع الاحتياجات العسكرية، وكانت القيادة العليا تسيطر على جميع أوجه النشاط العسكري والسياسي في المنظمة علي حد سواء، وأصبح بيجن رئيسًا للقيادة العليا وميردور نائباً له، وباقي أعضاء القيادة هم : آريه بن اليعازر Arieh Ben Eliezer وإلياهو لانكين eliyahu lankin، وشلومو ليفي Sholmo Levi ، وانضم إليهم فيما بعد يروحام ليفني Yeruham Livni والذي أصبح مديراً للعمليات.

وهكذا، جاء بيجن لينقذ الإرجون من مصيرها المحتوم، ويعيد تنظيم بنائها الداخلي تأهبًا لبدء التمرد الصهيوني على سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين، مدفوعا برغبته في الانتقام من بريطانيا التي شعر أنها تخلت عن تأييد حكومة المنفي البولندية في لندن، وأعلن صراحة أن هدنة الإرجون مع بريطانيا قد انتهت بسبب استمرار الأخيرة في تطبيق سياسة الكتاب الأبيض الذي يقيد حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مؤكدًا في نفس الوقت أن العرب لن يقبلوا فكرة التخلي طواعية عن وطنهم، وأنه لابد من إجبارهم علي ذلك . وبالتالي كان على اليمين الصهيونى وقد توشح بعباءة الآباء الأوائل الذين حملوا السيف بعد سنوات التيه، أن يكرر المواجهة، ويرفع السلاح في وجه الجميع، حتى لو تطلب الأمر مواجهة رفاق السلاح.

وعليه، شرع بيجن في وضع اللمسات الأخيرة لإعلان التمرد الصهيوني بقيادة الإرجون في فلسطين، فقام بتقسيم قواته إلي عدد من الوحدات أنيط بكل منها القيام بعدة أدوار عسكرية وسياسية وهي : وحدات جيش الثورة A.R، وحدات الصدام S.U، قوة الاقتحامA.F، وقوات الدعاية الثوريةR.P.F ليبدأ العدد التنازلي لحركة التمرد الصهيوني في فلسطين، والتي سرعان ما تحولت إلي حرب شاملة.

تحالفت الإرجون مع ليحي، وقد جمعتهما رغبة واحدة في التمرد علي سلطات الانتداب، والانسلاخ من هيمنة اليسار الصهيوني، ومن ثم كان التحالف بينهما حتميًا.

 إعادة إحياء شتيرن:
على الجانب الآخر، شهدت منظمة شترن – الجناج اليميني الأكثر تطرفًا – بعثا جديدا، وذلك بفضل مجموعة من المهاجرين اليهود البولنديين الذين وصلوا إلي فلسطين، والتحقوا بالمنظمة سرًا، وتمكنوا من البقاء بعيدًا عن أعين رجال المخابرات البريطانية، حيث أخذوا في إعادة بناء المنظمة، والتي كان معظم قادتها في السجون البريطانية، ومع إعادة البناء تغير اسم المنظمة إلى ليحي، وهو اختصار للكلمات العبرية الثلاث: لوحمي حيروت يسرائيل؛ أي المحاربون من أجل حرية إسرائيل، وتعرف اختصاراً بالإنجليزية باسم F.F.I، وقد تمكن اثنان من قادتها من الهرب من المعتقل وهما: إلياهو جلعادي Eliahu Giladi وإسحاق شامير Yitshaq Shamir، وكان ذلك في سبتمبر 1942م، حيث أعادا تنظيم الميليشيا، فأصبح شامير أمينًا عامًا للمنظمة، في حين تولي بوزنير Posener مسئولية التمويل، ودان التنظيم بالولاء لقائده فريدمان يلين Yellin Friedman والذي كان سجينا آنذاك في المعتقلات البريطانية.

أما القيادة الفعلية فكانت في يد إلياهو جلعادي، والذي قام على الفور بعملية تطهير داخلي، كما وضع خطة للقيام ببعض عمليات السطو، كذلك طالب بتصفية بعض قيادات اليشوف، ومنهم قادة في الإرجون والهاجاناه وسرعان ما تسببت سياسته تلك في اندلاع الخلافات داخل ليحي، وعليه قرر شامير التخلص منه، وأرسل إلي فريدمان يلين إفادة بذلك، وقام بتنفيذ العملية قبل أن تصله موافقة يلين، والذي كان مؤيدًا لعملية التصفية علي العموم، وفي الأول من نوفمبر 1943، تمكن عشرون عنصرًا من عناصر ليحي من الفرار من السجن، وعلى رأسهم قائد المنظمة يلين، والذي بدأ بمعاونة شامير في الإعداد لسلسله من العمليات المناوئة للوجود البريطاني في فلسطين.

ومع تلاقي الأهداف بين الإرجون وليحي، كان لابد من التنسيق بين القيادتين، وهو ما تم بالفعل، حيث أكد بيجن أنه كان يلتقي وبصحبته ياكوف ميردور مع فريدمان يلين وإسحاق شامير، وذلك لوضع تفاصيل العمليات المشتركة.

وهكذا تحالفت الإرجون مع ليحي، وقد جمعتهما رغبة واحدة في التمرد على سلطات الانتداب، والانسلاخ من هيمنة اليسار الصهيوني، ومن ثم كان التحالف بينهما حتميًا، وقد جمعتهما عقيدة عسكرية واحدة يحكمها إطار واحد من التصورات العنصرية التي ترى العالم عبر فوهة البندقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.