شعار قسم مدونات

اغتيال عروس البحر

A general view of Miami Beach in the port city of Alexandria, Egypt, August 15, 2016. Picture taken August 15, 2016. To match Special Report EUROPE-MIGRANTS/EGYPT-SHIP REUTERS/Stephen Grey
ما يحدث في عروس البحر المتوسط ما هو إلا حلقة من حلقات سيطرة القوات المسلحة على كل مؤسسات الدولة المصرية. فما يتم ارتكابه من تدمير البنية التحتية لمدينة الإسكندرية وإزالة آثارها بشكل منهجي ومدروس هو جريمة متكاملة الأركان في ظل نظام يسعى للتوغل في كل أركان الدولة ووضع يده على كل مؤسساتها ومقدراتها.
 

فما يحدث على كورنيش الإسكندرية يعد اغتيالا ممنهجا ومتكاملا مع سبق الإصرار والترصد لعراقة هذه المدينة التي تعد قبلة السائحين وملاذ العاشقين، وهو خير دليل على أنه لا وجود أصلا للدولة بل أصبحنا شبه دولة يتحكم فيها رجال الأعمال وأصحاب النفوذ بالتعاون مع نظام فقد رشده وأصبح لا يهتم إلا بجمع الأموال حتى وإن كانت من جيب المواطن الفقير المطحون أو بتدمير مقدراته وممتلكاته التي لم يعد له غيرها!
 

هل من الطبيعي أن تتحول الملكيات العامة إلى ملكيات خاصة تقام عليها مشروعات استثمارية لصالح أفراد أو جهات؟!

فبعد أن تحولت شواطئ الإسكندرية إلى سبوبة لرجال الأعمال بموافقة المحافظة لتصبح سلطة المتاجرة والربح هي السلطة الحاكمة في كل أملاك الدولة، أما مصلحة المواطنين فلم يعد لها مكانا على أجندة النظام وحكومته. وبعد انهيار البنية التحتية لمدينة الإسكندرية التي تغرق في شبر ماء حين تهطل عليها أمطار متوسطة !أصبحت الإسكندرية وكورنيشها تباع في وسط النهار على مرأى ومسمع من الجميع دون أن يحرك أحدا من المسؤولين ساكنا وكأن الأمر لا يعنيهم وكأن المدينة أصبحت مرتعا لتزاوج السلطة مع رأس المال..

 

فمنذ عدة فترة قصيرة فوجئ سكان مدينة الإسكندرية بردم عدد من أنفاق المشاة وإغلاق طريق الكورنيش بداية من كوبري ستانلي وحتى منطقة سيدي جابر، تمهيدا لتنفيذ مشروع "تيوليب سي سكوير"، وهو مجمع سياحي ترفيهي، تقوم على تنفيذه الإدارة العامة لنوادي القوات المسلحة وتناهز ميزانيته المليار جنيه، الأمر الذى أدى إلى استياء المواطنين، الذين اعتبروا المشروع تعد على ملكية عامة، تصب في مصلحة رجال الأعمال دون النظر إلى المواطن.
 

ولأن المشروع هو أحد مشروعات القوات المسلحة التي تختص بإدارة العديد من الفنادق والنوادي والقرى والمتنزهات التابعة لإدارة القوات المسلحة، جاءت قرارات هدم المباني الأثرية التي تعوق تنفيذ المشروع بالأمر المباشر دون أن يعترض أحد من مسئولي المحافظة. حيث هُدِم مسرح "السلام" الأثري في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، كما قاموا بهدِم مطعما "ابن البلد"، و"ابن حميدو"، التراثيان وتم أيضا هدم نفق مشاة "سيدي جابر"، واستبدلت به إشارة مرور!
 

واللافت للنظر أن المشروع أحاطته السرية والكتمان طيلة فترة الإعداد حتى فوجئ أهالي الإسكندرية بالبدء في تنفيذ المشروع حيث توقَّفت الحياة على كورنيش البحر صباحًا؛ فلا مرور، ولا سيارات، بعد أن صدر قرار بإغلاق طريق الكورنيش من الساعة السابعة صباحًا، وحتى الساعة التاسعة والنصف صباحًا -وقت الذروة بسبب توجّه الطلاب إلى الجامعات، والموظفين إلى أعمالهم- لأجل مشروع تطوير منطقة سيدي جابر!
 

ومما يزيد من ريبة الأمر أن هيئة الطرق والكباري بالإسكندرية لا تعلم شيئًا إطلاقًا عن المشروع، وأيضًا لم يعرض المشروع على كلية الهندسة للدراسة أو لإبداء الرأي كما يحدث في كافة المشروعات . ومنذ بداية حركة العمل في المشروع أغلقت المنطقة بالكامل بطريق الكورنيش. فقد أصاب المنطقة شللا مروريا كاملا مما أثار سخط المواطنين والسائقين وأبناء المدينة الذى تيقنوا أن مدينتهم تباع أمام أعينهم، وأن ما تبقى من كورنيش الإسكندرية أصبح مهددا بالدمار والخراب، لأن هذا المشروع المزمع تنفيذه على كورنيش الاسكندرية سينهي وجود الكورنيش تمامًا.
 

والسؤال الذى يدور في أذهان المواطنين: هل من الطبيعي أن يتم استقطاع الشارع لعمل جراج يخدم مشروعًا استثماريًّا أيا كانت الجهة المستفيدة؟! وهل من الطبيعي أن تتحول الملكيات العامة إلى ملكيات خاصة تقام عليها مشروعات استثمارية لصالح أفراد أو جهات؟!

يحاول العسكر ورجاله القضاء على ما تبقى من الوجه الحسن للمدينة وهو كورنيش الإسكندرية الذى كان ملاذا للبائسين من سكان الإسكندرية والمحافظات المجاورة.

فالمشروع عبارة عن منفعة خاصة ولن يستفيد منه المواطنون البسطاء لأنه عبارة عن خدمة لفندق سياحي ومركز تجاري خاص بملاكه ولن يدر دخلا إلا على أصحابه فقط، بينما سيتضرر منه الجميع، فضلاً عن تعديه على حق الناس في التعامل المباشر مع البحر والتمتع بكورنيش الإسكندرية، واستغلاله لصالح رجال الأعمال في مشروعات نوادي وفنادق يقتصر حق الانتفاع بها على فئة الطبقة فوق المتوسطة.
 

وأخيرا: لقد عمل العسكر على إهدار وتشويه كل ما هو جميل في مصر فلم يكفيهم أطنان القمامة التي تحيط بجدران الإسكندرية ولا مياه المجاري التي طفحت في شوارعها ولا العمارات التي تسقط بين الحين والحين على ساكنيها، بل يحاول العسكر ورجاله القضاء على ما تبقى من الوجه الحسن للمدينة وهو كورنيش الإسكندرية الذى كان ملاذا للبائسين من سكان الإسكندرية والمحافظات المجاورة.
 

ونداؤنا العاجل إلى كل من تبقى في قلبه ذرة من ضمير أو حب لهذا البلد أن يتكاتفوا ويحافظوا على ما تبقى من تراثنا الذى يغتاله العسكر بالقرارات الكارثية من أجل حفنة من الأموال أو الفكة كما أخبر كبيرهم . فالصمت على التجاوزات والانتهاكات اليومية تجعلهم يتجاوزن كارثة إلى ما هو أفظع منها.. فالأرض تباع قطعة قطعة للداخل والخارج ولكن تحت إشراف ومباركة القوات المسلحة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.