شعار قسم مدونات

حتى العروبة لم تسلم منهم!

arabic
في حقبة الإعلام الاجتماعي، زاد عدد ما يسمى بالحداثيين العرب، أو المفكرين الإسلاميين الداعيين إلى ترك الموروث الإسلامي، وتجديد الخطاب الديني. ربما يكون هناك بالفعل أخطاء بحاجة إلى مراجعة شاملة في كتب التراث الإسلامي؛ ولكن المريب في دعوة هؤلاء أنهم يسلطون الضوء على هذه الأخطاء، دون تقديم حلول، فيجعلون متابعيهم والمؤمنين بدعوتهم تائهين في حيرة من أمرهم.

لن أسهب كثيراً في هذا الموضوع فالحداثيين العرب موجودون منذ أكثر من 30 سنة، ولم يحدثوا أي تغيير يذكر، وتم وضع الكثير من المؤلفات في الرد عليهم، ولكني بدأت كلامي بالحديث عنهم لأن قضية محاربة الموروث الإسلامي لا تنفصل عن القضية الجديدة الهجوم على العروبة!
 

لماذا لا ننظر إلى الأمة الأوروبية أعراق ومذاهب مختلفة، لغات شتى، ومع ذلك مجتمعين تحت لواء الاتحاد الأوروبي، يتعاملون بعملة واحدة!

قرأت في الآونة الأخيرة في بعض وسائل الإعلام تقارير تتحدث عن الأصول العرقية والتركيبات الجينية لمواطني الدول العربية، هذا أصله كذا، وهذا أصله كذا! لا يهمني معرفة ما مدى صحة هذه التقارير؛ فالعرب حضارة وثقافة وأكبر من مجرد عرق وجينات تعود لعدنان وقحطان ويعرب.
 

المريب أن هذه التقارير تزامنت مع إقرار مشروع قانون جديد وافقت عليه وزيرة العدل في الحكومة الإسرائيلية أياليت شاكيد، يتيح للعرب في الأراضي المحتلة تغيير تصنيفهم في السجلات المدنية والحالة الشخصية، من "عربي إلى آرامي". وبحسب "صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائلية" فإن هذا القانون يهدف إلى تسهيل الأمر على العرب من غير المسلمين، أو الراغبين في الانخراط في القوات المسلحة الإسرائيلية، التقدم بوثائق تؤكد آراميتهم، بدل هويتهم العربية.
 

لا شك أن هذا القانون ومعه التقارير التي تنشر هنا وهناك عن جينات العرب وأصولهم تهدف إلى هدف واحد، وهو تفتيت الهوية العربية، ومن المؤسف أن تجد من بيننا من يؤيد هذا المشروع بداعي فخره بقومية تعود إلى آلاف السنين، وهو في الحقيقة عربي الهوية والثقافة.
 

هل يعقل أن العالم أصبح في عصر الذكاء الاصطناعي وتقنية النانو والـ 3D ونحن ما زلنا نتتبع أصولنا العرقية قبل أكثر من أربعة آلاف سنة؟! لماذا لا ننظر إلى الأمة الأمريكية التي تكونت من خليط كبير من أمم مختلفة من شتى المنابت والأصول هاجرت إلى الأراضي الأمريكية منذ سنوات عديدة لتكوين ما يعرف الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، وتركت خلافتها وحروبها الأهلية ورائها لتسود العالم.
 

لماذا لا ننظر إلى الأمة الأوروبية أعراق ومذاهب مختلفة، لغات شتى، ومع ذلك مجتمعين تحت لواء الاتحاد الأوروبي، يتعاملون بعملة واحدة! الروابط بيننا أكبر، فنحن نتحدث لغة واحدة وجلنا يجمعنا دين واحد والبقية وإن كانوا يتبعون ديانات أخرى إلا أن ثقافتهم اسلامية. لا أدعو إلى اتحاد العرب في دولة واحدة، فهذا موضوع حتى مجرد الكتابة عنه ضرب من الخيال..
 

إنما هي دعوة للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج أن ينتبهوا إلى مثل هذه الأطروحات التي لا يعنيها هذه القومية أو تلك، بقدر ما يعنيها ذبح الهوية العربية، و رسالة إلى وسائل الإعلام العربية التي أعادت نشر هذه التقارير؛ بهدف خلق تفاعل عندها أو جلب زوار لها ضاربة بعرض الحائط كل أدبيات الإعلام، ودوره في ترقية وإصلاح المجتمع لا هدمه وتشتيته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.