عام آخر يمرّ ولم يتّصل بي مصطفى الآغا بعد ليسألني عن أمنيتي الذي أريد تحقيقها رغم أنّي لم أتوقّف لأكثر من عامين عن كتابة كلمة "حلم" وإرسالها على الرّقم المخصّص. أمضيت سنوات أنتظر فيها مكالمة منه، أتفقّد هاتفي الجوّال كلّ خمس دقائق، لا أفارقه لحظة واحدة كي لا أضيع فرصة العمر حتّى أنّي تخيّلت وكتبت آلاف المرات الحوار الذي قد يدور بيني وبينه إذا ما هاتفني ولكنّه لم يفعل.
في المرات القليلة التي يرنّ فيها هاتفي كنت أمنّي النفس بسماع صوته يسألني عن اسمي فأجيبه، فيعرّفني بنفسه ويطلب منّي أن أحلم فأفكّر قليلا وأقول له:
أريد مالا، مالا كثيرا لأوزعّه بطريقة عادلة على الفقراء، لا فقراء المال والمعوزين بل فقراء من نوع آخر يسكنون منازل فاخرة اشتروها ببضع مقالات خطّوها بدماء شعوب مضطهدة، زيّفوا من خلالها ما تراه أعيننا فكذّبوا غلاء الأسعار وأنعشوا بأقلامهم اقتصادا يتهاوى تحت أنظارنا فتهوي معه الطّبقة الوسطى، خطّوا مشاريع خياليّة توفّر مواطن شغل رغم أنّ المقاهي كانت ولا تزال حبلى بالعاطلين عن العمل، مشاريع لا تنفكّ تدرّ أرباحا بالمليارات بين الفينة والأخرى فترتفع معها الضّرائب والأداءات لتحاصر المواطنين من كلّ جانب. شيّدوا بنية تحتيّة كتلك التي تحظى بها الدّول المتقدّمة رغم أنّ يوما ممطرا من أيّام فصل الشّتاء كفيل بأن يدمّر الطّرقات تدميرا ويجرف المنازل ويمنع الصّغار من الالتحاق بمدارسهم ويعطّل حركة المرور ويغلق الجسور ويحوّل ملاعب كرة القدم إلى مسابح ويحرمنا الكهرباء فنمضي الليلة على ضوء شمعة نحلم بالعيش بين سطور الصّحف.
أريد مالا يكفيني لشراء عدد مهول من القوارب لأزيّن بها البحار حتّى إذا ما حاصرت الوحوش سوريّا في البرّ وجد مخرجا آمنا بعيدا عن وحوش البحر.. |
أريد مالا كثيرا لأوزّعه على فقراء يركبون أفخم أنواع السّيارات متوجّهين نحو مقرّات القنوات التّلفزيونية والإذاعات ليحوّلوا من خلال كلماتهم العسكريّ إلى مدنيّ والعلمانيّ إلى إسلاميّ والإسلاميّ إلى يساريّ واليساريّ إلى رأسماليّ والرّأسماليّ إلى إشتراكيّ واللّصّ إلى صادق أمين والأمين إلى خائن والمظلوم إلى ظالم والشّهيد إلى مخرّب والمفسد إلى مصلح والفلول إلى ثوّار والعزّل إلى مسلّحين والقاتل الى بريء والمحتلّ الى ممانع والثورة الى مؤامرة والمؤامرة الى ثورة والراقصة إلى نائبة في البرلمان والدّكتورة الى راقصة والعجوز الى شابّ مفتول العضلات والبنفسجيّ إلى أحمر كحمرة شعار حزب نداء تونس.
أريد مالا يكفي هؤلاء الإعلاميين والصحفيين والكتّاب والممثّلين والفنانين والمسرحيين لسداد تكاليف مدارس أطفالهم الخاصّة وسهراتهم الليلية ورحلاتهم الصّيفية، مالا يضمن لهم القدرة على تغيير سياراتهم كلّ شهرين ويمكّنهم من امتلاك أراض باهضة الثّمن والتسوّق من المحلات العالمية ومواكبة عالم الموضة حتّى يتوقّفوا عن ذبح أحلامنا وتقرير مصائرنا وتكذيب ما تراه أعيننا. أريد مالا كثيرا جدّا لأشتري لبشّار الأسد شعبا من الرّجال الآليين لا يرون إلاّ ما يريهم، لا يعرفون معنى الحرّية ولا يطالبون لا بإصلاحات ولا ببرلمان ولا بعيش كريم ولا ديمقراطيّة علّه يترك السوريين وشأنهم.
أريد مالا لأشتري له شعبا جبانا يهاب الرّصاص والبراميل المتفجّرة، شعبا لا وجود فيه لأمثال هادي العبد الله ولا عبد الباسط ساروت فلا يجد بشّار الأسد حينها سببا لطلب العون من روسيا ولا حزب الله، وحتّى إذا ما أرسل جنده لتقتيلهم لا يثورون ولا يشعرون. أريد مالا كثيرا جدّا لأكافئ حزب الله وحسن نصر الله عن الحروب التي خاضها ضدّ الكيان الصهيونيّ فيتوقّف عن قنص أطفال سوريا تحت مطيّة القدس وهتك أعراض نساءنا باسم تحرير الأقصى.
أريد مالا يكفيني لشراء عدد مهول من القوارب لأزيّن بها البحار حتّى إذا ما حاصرت الوحوش سوريّا في البرّ وجد مخرجا آمنا بعيدا عن وحوش البحر.. أريد مالا كثيرا يكفي لإشباع حيتان البحر فإذا ما اعترضتها جثّة إيلان تركتها في سلام. أحلم بمبلغ يكفيني لأسدّ عجز مصر الاقتصادي وأعوّض عبد الفتاح السيسي عن خسائر تفريعة السّويس وانهيار السّياحة وسقوط الجنيه حتّى يتوقّف عن رفع الأسعار ويرحم شعبا صار أفراده يفتّشون في الحاويات عمّا يسدّ رمقهم.. لن أوزّع مالا على فقراء مصر حتّى لا يطالبهم رئيس الانقلاب بالفكّة!
أريد مالا، ثروة كثروة قارون لأوزّع نصيبا منها على حرّاس السجن الحربيّ وسجن العقرب وكلّ سجون مصر حتّى يتوقّفوا عن قتل خيرة شباب البلد، حتّى يحترموا عزّة البلتاجي ونضاله وصبره ويتركوه وشأنه ولن أنسى قضاة أمّ الدنيا، سأرشيهم بما لذ وطاب لهم من المال حتّى يعدلوا فأُخرِسَ ذاك الذي صاح في وجه مرشد الإخوان وأُلينَ قلب ذاك الذي لم يبكي أمام أمّ تحضن ولدها وحكم عليه بالمؤبّد وسأدفع مالا كثيرا حتّى يفرجوا عن صهيّب فيكبُرَ في حضن والدته. وقسطا أوزّعه على العسكري الغلبان فيتخلّص من جهله وهوانه وقلّة حيلته فلا يضطرونه لتشريد أهل سيناء ولا التحليق فوق سماء حلب.
ونصيبا أخيرا سأخصّص جزءا منه للمحامي خالد علي علّه ينصرف عن تيران وصنافير فقد قضي الأمر -كما صرخ في الإخوان المسلمين ذات 30 يونيو- الجزيرتان سعوديتان، ويترافع ويثبت بأنّ نجل محمّد مرسي مصريّ الجنسّية له حقوقه وحرمته، أمّا الجزء الآخر فسأشتري به أسهما في "تويتر" وأهديها لمحمد البرادعي علّه يتوقّف عن الحلم بالوكالة عن الأجيال القادمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.