هل ترى الحيوانات العالم ملونا كما نراه؟
يقول علم الأحياء إن الحيوانات وإن رأت العالم ملونا، فإنها لا تراه كما نراه، إذ ترى الحيوانات العالم وفق محورين لونيين فقط، غالبا ما يكون أحدهما الأزرق – الأصفر والآخر هو الأبيض – الأسود، وبالتالي فإن كل ما يقع في نطاق الألوان الدافئة، لا تراه معظم الحيوانات، ما عدا القردة التي تستطيع رؤية اللون الأحمر.. لكن على غير الحمرة التي نعرفها أيضا.
لماذا اللون الأحمر؟
يبدأ الطيف المرئي للعين البشرية بالأحمر، ما علاه من ضوء لا تراه العين، ينذر بالخطر، ويشرق بالرغبة، وينبض بالحياة، يزين البشرة ويضرب به المثل في "حمرة الخجل"، يبدأ به اليوم وينتهي، ويصاحب الجسد ما دام حيا.
هل سألت نفسك كيف يبدو وجهك حين تشتاق، حين تخاف، حين تفرح، حين تتغير مشاعرك لأي سبب؟
سأل مارك شانجيزي نفسه هذا السؤال، وافترض أن تغيرا يحدث في لون الدم عند كل انفعال، ذلك لأن نسبة الأكسجين في الدم تتغير بالضرورة، نحن نعرف ذلك منذ كنا صغارا نرسم الشرايين حمراء، والأوردة زرقاء، لكننا حين نُجرح فإن دمنا غالبا يخرج أحمرا، رغم أن كثيرا من الجروح المألوفة إنما تنزف فيها الأوردة لا الشرايين، أي أنها في قائمة ألواننا ينبغي أن تكون زرقاء!
ماذا لو صنعنا إذا نظارة تجعلنا نرى الأحمر بحساسية أكبر؟ هل ندرك حينها انفعالات يخفيها الناس عنّا!
شارك مارك الفكرة مع رفيقه عالم الحواسيب تيم باربر، كيف يمكن تطوير مرشحات تجعلنا نرى الدم المتدفق تحت الجلد بوضوح وتمايز أكثر. كيف نجعل الأحمر ألوانا كثيرا، لا محض لون واحد مصمت؟ ولأن الفكرة في العصر الحديث تبحث عن مكسب، كان السؤال: ولمن ستباع هذه الفكرة، ومن يهتم بها؟
خُلِقَت عيوننا تحمل مجسات للضوء متعددة الأشكال والوظائف، فبينما تختص فئة منها برؤية الضوء وتفصيل درجاته، تختص المجسات الأخرى بقراءة الألوان وفق النظام الثلاثي الذي نعرفه للألوان. |
يمكن بيعها لصناع الكاميرات!
ربما.. لكن تصنيع مرشح للكاميرات لن يكون مفيدا مادامت الحساسات هي المتحكم الحقيقي في تسجيل الألوان. إذا، تباع لمطوري التلفزيونات الحديثة، مرشحات تحسن رؤية الألوان وعمقها! أو تباع لأطباء الطوارئ تساعدهم في سرعة التشخيص، تخيل أن تكتشف من يعانون الاختناق في مسرح الحوادث بمجرد النظر! أيضا ممكن!
بدأت الأبحاث في معامل 2AL واستمرت قريبا من عامين، وكانت الغاية إنتاج نموذج أولي يختبر إمكانية إيجاد مرشحات تحسن رؤية اللون الأحمر، كانت كل النتائج في البداية مخيبة للآمال، إما أن تخرج الألوان باهتة جدا، أو لامعة جدا، لكن كل خيبة، لابد تحمل أملا جديدا.
لنعد إلى الوراء قرنين من الزمان تقريبا، إلى زمان الكيميائي الإنجليزي جون دالتون، وتحديدا عام ١٨٠٠ حين كان في الأربعين من عمره، كان دالتون قد شرع في تحليل إدراكه الذاتي للضوء، يسجل ملاحظاته عن ألوان ما يراه حوله، بدت له زهرة البرسيم زرقاء، وحين يقربها من ضوء الشمعة تتحول إلى اللون الأصفر، حمل زهرته إلى طلابه الذين كان يعلمهم، وسألهم كيف يرون زهرة البرسيم، وجاءت إجابات الطلاب مختلفة عنه، أربع طلاب فقط شاركوه إحساسه بلون الزهرة.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يسجل فيها عمى الألوان، وفيه لا ترى العين الألوان بنفس طيفها الذي يراه بها الآخرون، سميت الحالة نسبة إلى دالتون بالدالتونية، ثم أصبح الاسم يطلق فقط على عدم إدراك العين للون الأحمر والأخضر.
كيف نرى الألوان؟
خُلِقَت عيوننا تحمل مجسات للضوء متعددة الأشكال والوظائف، فبينما تختص فئة منها برؤية الضوء وتفصيل درجاته، تختص المجسات الأخرى بقراءة الألوان وفق النظام الثلاثي الذي نعرفه للألوان، ثم تكمل العملية العصبية تحليل البيانات، وتلوين العالم من حولنا. وحين يحدث عطب في مجسات أحد هذه الألوان، يفقد الإنسان إدراك بعد لوني كامل.
ماذا لو جمعنا أبحاث مارك، مع حالة جون دالتون؟
إذا.. ما كان له أن يرى زهرة البرسيم زرقاء أبدا. هكذا ولدت نظارات الرؤية الملونة، لعلاج العمى اللوني الأحمر والأخضر، والتي منحت عددا كبيرا من البشر فرحة روية العالم ملونا للمرة الأولى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.