تلك هي الكاميرا التي وثَّقتْ لنا أَمَرَّ الظُّروف واللحظات، لكنها كانت الأداةَ المُخلِّصة الصادقة في نقل الأحداث والوقائع.
اتصل بي قبل تصويره إحدى جرائِم الغدر لِيُخبِرَنِي أنَّهُ بخيرٍ وأنَّ أرض سوريا تشتاقُ إلى شبابها، وأنَّهُ لنْ يستسلم في نقل الوقائع بهاتفه المتواضِعِ |
وها هي أعوامُ الثورة السورية تمضي غير مُبالية بِكُتَّاب التاريخ ولا بالسَّاسة المُتملِّقين، يتشدَّقون بالعبارات و يتنطَّعون في كلِّ يومٍ على إحدى القنوات، لتبقى تلك العدساتُ تلاحقهم إلى الممات، وتقاوم استبداد الدكتاتورية، وتواجه آلة القتل الدموية بِمَزِيْجٍ من الإرادة والمصداقية، وتلاحقُ الحقائقَ وتكشف عن الأسرار وكأنها عينُ الرَّقابة لتوثِّق الحرية والمأساة، لا نهايةَ الحلمِ وبقاء الظُّلم والاستبداد، تُؤمِنُ يوماً ما أنَّ الصورةَ سَتُؤَرِّخُ للأجيالِ ما فعلهُ الجُهَّال، لتنقل الحقائق للجيل القادم مدى الحياة..
لا تخافوا يا مَنْ هَتَكْتُم الأعراض وخُنْتُم الوطن وتماديتم في القتل والفساد، لن أُبرِّئكم إنْ قيَّدتكم إحدى تلك العدسات، لأنَّ كلَّ مواطنٍ سوريٍّ في الداخل اشترى هاتفاً أذكى من قُبْحِ وسَذَاجَةِ عُقولِكم التي تحتاج إلى مصحَّةٍ عقليةٍ على حساب طعامه وشرابه ليُصوِّرَ طُغيانكم وفسادكم.
لن يُبرِّئكم سرد التاريخ لأفعالِكم النبيلة كما تدعون، ولا مَنْ وقف بجوارِكم أو في أرضِكم لِيَسُوقَكم كما يَسُوقُ الرَّاعي غنمهُ إنْ قيَّدتكم إحدى تلك اللقطاتُ لِتَجُرَّكم إلى مزبلة التاريخ على عكس ما تدَّعون من دخولكم الجنة وهيهات..
إلى اليوم لا أزالُ أحتفظُ في هاتفي بتلك اللقطة المُرِيبَة، وكيف اِسْتَلَّتْ يَدُ الغدر لِتَمْزُجَ الخُبز بالدم. اتصل بي قبل تصويره إحدى جرائِم الغدر لِيُخبِرَنِي أنَّهُ بخيرٍ وأنَّ أرض سوريا تشتاقُ إلى شبابها، وأنَّهُ لنْ يستسلم في نقل الوقائع بهاتفه المتواضِعِ مُقَارَنَةً بِمَنْ حمل الكاميرات وتجهَّز بكلِّ المَعَدَّاتِ، لكنَّهُ أضحى بعد ذلك شهيداً اِمْتَزَجَ دمهُ بالخُبْزِ، وصارتْ لَقْطَتُهُ تلك بعد أنْ حصلتُ عليها مِن هاتِفه نفسه أملاً في نقل الحقيقة بعيداً عن التزوير والمُغَالاةِ، وأشدَّ قُرباً لجيلٍ آمن أنَّ الحُرِّيَّةَ مَمْزُوجَةٌ بالتضحية والفداء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.