مع احتدام حالة الصراع السياسي في الصومال وفي ظل أجواء انتخابية تعصف فيها رقعة التنافس بمن يكون الأكثر تأثيرا وحسما بقيادة البلاد في الأعوام القادمة يأتي محمد عبد الله فرماجو من بين أبرز المرشحين في خوض معركة الانتخابات، ومع ان الرجل يتمتع بحاضنة شعبية كبيرة إلا أن هذا لم توفر له حظوظ احتمالية الفوز داخليا، إذ لا يحظى بدعم من ولاية واحدة، الأمر الذي يجعل سياسته غير منضبطة لمجافاتها المنطق السياسي وعدم اللياقة في تحقيق أي شيء في ارض الواقع.
وهكذا تتراكم العقبات السياسة أمام الرجل بالرغم من قدرته على مخاطبة طبيعة مشاكل البلاد في حال خروجه من هذا المعترك السياسي الصعب، وهو ما تخشاه دول كثيرة اقليما ودوليا والتي تملك أوراق اللعبة السياسة بشأن احتفاظ مصالحها وعدم تسليم مفاتيح الرئاسة مع من يتصادم سياستها ورغباتها، على الأقل مع شخصية متفاهمة معها حسب إملاءاتها.
وكل هذا وذاك مع شحوب الوضع الانتخابي لا يعد حملات المرشح فرماجو رقما قياسيا يمكن أن يتصدر أولا في قائمة مع من يصنع الفوز.. هذا فضلا عن التحديات الجارفة التي تحيطه بشأن الخطأ التكتيكي في سياق تخطيط حملاته أو تعديل سياسته وإن كان لا يأتي بتغيرات سياسية جذرية بشكل يتواطأ نسبيا مع ارادة الساحقة التي تسيطر في المسرح الانتخابي.
ثمة من يعد اجراءات السياسية للمرشح وحملاته الانتخابية مجرد انتحار في المشهد الانتخابي وتسليم للتحديات بعد ان لقي عاصفة قاسية وانتكاسة انتخابية جدية، الأمر الذي يجعل سياسته تهوي الى منحدر صعب دون معالجة نقطة الاحتكاك المكاني والزماني بين الأطراف التي تتعاطى مع القضية بلباقة وعقلية، وإذا كانت التدخلات الخارجية لها تأثيرا وحسما في الانتخابات الصومالية، وكان أغلبية البرلمان محل انحياز من وجهة السياسية التي يتبنى المرشح فرماجو، فهذا يعني بصراحة ضربة قاصمة ورسالة موجهة لفرماجو بأن شعبيته الجارفة لا تجسيد لها في أرض الواقع حسب المراقبين.
مع كل يوم كان فرماجو يمضيه في الحملات الانتخابية والمبادرات السياسية كان رصيد السياسيين واعضاء البرلمان يتناقص بإطراء، الامر الذي اضطر لاحقا بتغيير وجهة سياسته، واعلان بدء معايير للبحث في ظهير استراتيجي يتمتع بنفوذ قوية |
تجربة فرماجو في دروب السياسة الصومالية هي تجربة مليئة بالخبرات والمعارف والتجارب، وكان مشروع سياسته الآن خلفية سابقة من أجلها اضطر بالاعتزال من منصبه في عام 2010 عندما كان رئيس الوزراء في الدولة الانتقالية لشريف شيخ أحمد.
اتخذ الرئيس آنذاك بقرار اعتزاله بضغوط اقليمية وربما دولية، وانسحب من اروقة الدولة بشكل مباشر بسبب سياسته التي لا مكان للتدريج الانتقالي فيها، ورغم ان القرار أثار حفيظة الشعب الا ان نفوذه قد تمتد الى عدم ظهوره في الساحة السياسة كليا حتى تجميد عملية التدخلات الخارجية بشكل مباشر.
ان معظم شرائح الشعب الصومالي لا يرغبون في ان تنهار تجربة فرماجو قبل وبعد، ويثيرون امتعاضا عندما ينكسر أو لا يجد مشروعه تفاعلا في المشهد الساسي، ومع هذا فإن جدية وتجربته السياسة مستقبلا بتقديم روح وطنية جديدة ومكشوفة بعيدا عن عاطفية سياسية لا تزال تبعث في وجدانهم أملا مضيئا، وهذا يستلزم تصويب الخلل السياسي وتقويم الأداء واتخاذ أي اجراءات ومتطلبات من شأنها الوصول الى سدة الحكم.
وهكذا يفترض بذكاء سياسي على اساس المراجعة والتقييم خلال هذا الشهر الجاري وتشكيل فرصة مواتية لتقييم عملها والأداء في ظل الأخطاء والمنزلقات التي تحيط به. كما يجب ايضا بناء الواقع على تضاريسه وتعرجاته، ليس على النظرات والمتطلبات بالغة المحدودية فحسب. ورغم ما يتطلب انخراط العمل السياسي من تداعيات سياسية-اقليميا ودوليا- وجنوح بعض الدول الإقليمية نحو فرض حصار سياسي على تحركات حملاته، الا ان مجابهة ومسح تحديات الداخلية وسيلة تدفع حقل السياسي للحركة نحو تحقيق هدفها المرسوم.
ومن بين من يحتم التطبيع معه واعتباره كظهير استراتيجي يمكن تجاوز معظم العقبات والتحديات عليه، ترسيخ العلاقات السياسية بالولايات المختلفة في البلاد، فضلا عن ضرورة الحفاظ على حدود الارتباط والاحتكاك وتجسيد الدعم من شرائح السياسيين في مختلف مكوناته.
ان اللجنة الانتخابية للسيد فرماجو يبدو انها تجابه انتكاسة انتخابية جديدة الى جانب معضلات سياسية تعوق تحركاتها نحو امكانية تحقيق سياساتها في الواقع الانتخابي. ولعل انغماس حفنة فرماجو في العمل السياسي أو الانتخابي بشكل خاص، يثير معان كثيرة بفشلها في ادارة الصراعات وعدم تحملها أكثر بالتحيات المتراكمة عليها، وهي الآن في محطة هامشية سياسية لا يرجى وراءها المبشرات. لم يكن من الحكمة ان يكون من ادبيات سياسة المرشح بالعداء المطلق مع كافة أطياف الولايات، ورغم هذا الخطأ الجسيم في البنية التحتية لسياسته الا انها غير مبنية باستقطاب ممثلي اعضاء البرلمان، وانعكاسا على هذا كانت سياسته مفتوحة على أساس مبدأ الرغبة لمن يرغب اليها والعكس.
ومع كل يوم كان فرماجو يمضيه في الحملات الانتخابية والمبادرات السياسية كان رصيد السياسيين واعضاء البرلمان يتناقص بإطراء، الامر الذي اضطر لاحقا بتغيير وجهة سياسته، واعلان بدء معايير للبحث في ظهير استراتيجي يتمتع بنفوذ قوية. لا خلاف في حساسية الأوضاع التي سبق ذكرها ودقة الظروف، لكن يجب تعاطي المسألة بتفكير عميق وعقلانية، وتكمن أهمية افشال هذا الرمز على أساس بناء جسور التعامل والاحتكاك مع ذوي الخبرات العالية والتحفز للأمر بسياقات عديدة.
تعزيز العلاقات داخليا واستقطاب عدد كبير من اعضاء البرلمان مهما بلغت تكلفة ذلك لا بد من تركيزها وارسائها على اعتبار مبدأ حيوي يفرض تجسيداته في ارض الواقع، وضخ مزيد من الكفاءات والتنازلات لتحقيق هذا الحلم وجعله من ضمن أولويات الاجندات الرئيسية. وعليه فإن عملية ترشحه هذه قد تعطي انطباعا مفاجئا لإحداث تغيير في المعادلة السياسية وترجيح كفة التوازن، فهذا وإن حصل حدوث مفاجآت خارج المتوقعات فهو ترمب الثاني في ساحة عربية افريقية صومالية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.