شعار قسم مدونات

طردنا القيم فأخذت معها الهوية

blogs - justice

لكل مجتمع في العالم قيماً يعتبرها حجر الأساس الذي ينبثق منه التوافق المجتمعي بكافة صوره ومفاهيمه، والقيم هي أول أدوات ضبط المجتمع وتنظيمه، كما تستخدمها الدول المتقدمة كاَلة لتمهيد أرض خصبة صالحة للحياة النقية والآمنة، وحينما يفقد أي مجتمع في العالم قيمه يفقد معها هويته وتوازنه، ويعيش في صراع نفسى سرطاني تقوده نفوس أصبحت بلا ضوابط.
 

لابد لكل إنسان من قيماً تكون هي المرشد الأول لسلوكه وهي القاضي الذي يحاسبه على كل فعل ولفظ، وأداة تقويم أخلاقية فعالة ونشطه تلازمه كظله، وترسم له الإطار الصحيح الذي يحافظ على النظام الاجتماعي وتمنعه من الانحراف عن أُسس المجتمع الذي يعيش فيه، وتبقى عاملاً مهماً في حياته يساعده على بناء إنسان مستقيم ومطور دائم لمجتمعه، وانعدام القيم لدى أي إنسان يصنع منه مجرم بحق المجتمع تدريجياً، لأنه يواجه رغباته بدون أدوات وحتماً ستنتصر عليه رغباته المُشيطنة وتجعله يسير دون هوية في سرداب الشهوات المظلم.
 

لم تأتي الأديان للأرض لتضع شروط وطرق العبادة فقط، بل هي أتت اولاً لترسيخ القيم النبيلة والسامية التي تجعل من الأرض بيئة صالحة لحياة كل من فيها.

ولدينا أمثلة عديدة في الوقت الراهن، فجميعنا يرى قطاع كبير من الشباب العربي أصحاب الهوية الإسلامية يمارسون التحرش الجنسي بدون أي حرج في الشوارع والطرقات، في تناقض حاد بين الفعل والعقيدة، وهذا لأن انعدام القيم لديهم جعل عقيدتهم لديهم قولاً فقط وليست قولاً وفعلاً، وعلى سبيل المثال وليس الحصر لدينا أمام المحاكم العديد من القضايا لمسؤولين كبار تم ضبطهم على خلفية وقائع رشوة ضخمة وسرقة مال عام وإهدار مال عام وغيرهم من التهم، فكل هذه التهم مرتبطة ارتباط وثيق بافتقاد القيم، وهذه هي النتائج الطبيعية المنتظرة من إنسان بلا هوية، فانعدام القيم لديه يجعله مفترس يسير وسط قطيع من الوحوش.
 

لم تأت الأديان للأرض لتضع شروط وطرق العبادة فقط، بل هي أتت اولاً لترسيخ القيم النبيلة والسامية التي تجعل من الأرض بيئة صالحة لحياة كل من فيها، القوي والضعيف، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، الأب وابنه، الطالب ومعلمه، الجار وجاره، الجنس والجنس الآخر، وأيضاً الإنسان وجميع الكائنات التي تعيش في الأرض، إذاً الأديان ولدت قيماً تعمل جاهدةً لتنظيم العلاقات بين كل من هم في الأرض، وتنميتها وتقوية جذورها فرض عين على كل من يعيشون في هذه الأرض، لوقف الفساد والإفساد فيها.
 

تجاهل الحكومات المتعاقبة على مصر في العقود الأخيرة من الزمن، تنمية القيم ورعايتها يعد اشتراك في هدمها وهذا جرم لا يغتفر، لأن الحكومة هي المسؤول الأول عن زراعة جذور القيم ورعايتها على النهج الذى يخدم أمن المجتمع وحماية النظام الاجتماعي، واعداد طرق صحيحة للتعامل بين الفرد والدولة، والدولة والفرد في داخلها وخارجها للحد من الأعمال العنيفة التي تؤجج نيران التطرف الذي يستعد الآن ليحرق العالم في يوم ما.
 

هناك قانون يسمو فوق كل القوانين والدساتير يسمى بقانون "الإنسانية" وهذا القانون لن يولد ابداً من رحم التشريعات الدستورية أو الجلسات البرلمانية أو انعقادات الأمم المتحدة المفتوحة.

فالقيم تحمل بداخلها مبادئ العدالة والمساواة وهم الركنين المسؤولين عن حماية أي مجتمع من أعمال العنف والانتقام، فحينما يعتمد المجتمع على الحق والعدل في تكوينه فهو يؤسس لمجتمع طويل الأجل، وحينما يفتقدهم أي مجتمع فهو يحسم مصيره بالزوال في أقرب أجل، ولهذا فالقيم ترتبط ارتباط قوي بالوطن والوطنية ومدى استعداد الفرد للدفاع عن وطنه ضد أي خطر يهدده، فإذا كانت القيم المزروعة بداخل كل إنسان حقيقية وليست وهمية لفعل ما تُمليه عليه قيمه دون توجيه أو اجبار من أحد، ولدينا مثال من مصر، فلو سألت جميع المصريين هل تحبون الجيش؟ ستكون اجابتهم جميعاً بنعم قبل ان تكمل سؤالك، ولكن عندما تقول لهم هل تقبلون الانضمام الآن لصفوف الجيش؟ لن تجد اجابة نعم الا من القليل إن وجدت!
 

ليست القوانين وحدها هي الضوابط اللازمة لضبط العالم وتنظيمه، إنما هناك قانون يسمو فوق كل القوانين والدساتير يسمى بقانون "الإنسانية" وهذا القانون لن يولد أبداً من رحم التشريعات الدستورية أو الجلسات البرلمانية أو انعقادات الأمم المتحدة المفتوحة، هو فقط ينبعث من روح القيم الأخلاقية التي يتربى عليها الأجيال، فإذا سادت القيم الإنسانية عروش الحكم لن تجدوا مقتولين في سوريا أو مظلومين في مصر أو مهجرين في اليمن أو محتلين في فلسطين أو مغلوبين على أمرهم في العراق، وأيضاً لن تجدوا مقهورين في شتى بقاع الأرض، لأن القيم تقدم ضمانات الحياة الآمنة للجميع دون تمييز متعلق بدين أو بعرق أو بلون أو بجنسية، كما تُميز بينهم الرغبات المطلقة التي تؤدي إلى انحدار المجتمعات أخلاقياً واجتماعياً ومن ثم هلاكها نهائياً.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان