شعار قسم مدونات

لا تنسوا الفضل بينكم

blogs - تسامح

جئنا إلى هذا العالم أبرياء صادقين، مُتعلّقين بالحياة، نسابق الوقت لننطِق؛ حتى لو كانت كلماتٍ غير مفهومة حتّى تستقيم ألسُننا، لنمشي حتّى لو تعثّرنا مئات المرّات حتّى تستوي خُطواتنا، وسنغادرُ هذه الحياة مُتمسّكين بها على الأغلب لكنّنا لن نُغادرها كما ولدتنا أُمّهاتُنا! لن نكون أبرياء كما كنّا أبدًا، سنغادرِها قليلي الحِيلة لا محالة! حينها فقظ سنُدرِك كم كانت الحياة قصيرة، حينها سنعلم أنّ الحياة تستحقّ شيئًا ما فقط لأنّها قصيرة جدّا؛ مصمّمةٌ لِتُستَهلَك! لِتُستعمَل لِتُعاش بطولِها وعَرضِها إلى آخِرِ لحظة؛ وأنّنا كان من المُفترضَ بِنا أن نملأها بكُلّ خطأٍ وصوابٍ أو مُعجِزةٍ استطعنا أن نصنعها قبل أن نستسلِم للرّحيل لكنّننا لن نقدرَ أن نرحل عن هذا العالم بسلامٍ إذا لم نتخلّص من أشباحِنا.. أشباحُنا لن تكون غير الناس الذين آذيناهُم في طريقنا في هذه الحياة ونحنُ نُلطّخ براءتنا الأولى! وخاصّة الأقربين منهم!

 

مغفِرتك للناس لا تعني بالضرورة أن تُنقِص من حقّ نفسِك عليك، عِش حياتك وسامح لِمضي في هذه الدّنيا ولتنزع ذلك الثّقل الذي سيثقِل كاهِلك.

دعوني أخبركم بقصّةٍ قصيرة عن اثنين من مسجوني حربٍ سابِقين، أحدُهما سأل الآخر: هل غَفرت لِسجانيك بعد كلّ هذه السّنين؟ فردّ الثّاني غاضبا: لا أبدًا! فقال الأول: حسنًا ما زِلتُ أراكَ في سِجنِهم بعد كلّ هذه السّنين!  بعضُ النّاس لن يغفِروا ولن يُسامِحوا أبدًا لأنّهم ببساطة أخلصوا لِغضبهم وكراهيتِهم أكثر من إخلاصِهم لإنسانيتهم! بُؤساء هم، لأنّهم لم يذوقوا حلاوة المغفرة والنّسيان، فقراء لأنهم يظنّون أن المسامحة والعفو نوعٌ من الضّعف! لكنّ ذلك غيرُ صحيح، فالمغفرة والمُضي قُدما بلا غلّ يتطلّبُ الكثير الكثير من القوّة والشجاعة والحكمة.

 

كلُّنا نظن أنّه خليقٌ بنا أن نعيش سُعداء، قليلٌ منا من يعلمُ أنّ سعادته تقفُ عند سعادة الآخرين، لن تنعم بسعادة على حساب سعادة الآخرين، بل أكثرُ من ذلك! سعادتنا مرهونة بسعادة الآخرين من حولِنا؛ هل تذكرون المثل القائل: "من جاورَ السعيد يسعَد!" هذه أقصرُ طريقٍ إلى السعادة؛ اجعل كلّ من حولك سعيدا تعِش سعيدا.

 

مغفِرتك للناس لا تعني بالضرورة أن تُنقِص من حقّ نفسِك عليك، عِش حياتك وسامح لِمضي في هذه الدّنيا ولتنزع ذلك الثّقل الذي سيثقِل كاهِلك لا محالة لتمضي وتحلّق سريعا لتُقابل أناسًا طيّبين جُدد ولا تحملهم على من ظلموك أو أساؤوا إليك، إياك وأن تقصص لنفسِك وِجهة نظرِك لما حدث لك لا تُخبِر نفسك أنّك أنت الضّحية! نعم فمن أساء إليك فقد أساء لنفسه فكفاك بذلك رأفةً عليه؛ ومن غفرت له وسامحته فقد فعلتَ ذلك لِنفسِك ولِسعادتِك وكفاك بذلك مكافأةً لِنفسِك! وأكثرُ من ذلك لا تنسَ إن تنسَ كلّ جميلٍ وكلّ وِدٍّ بينكُم فالشّر لا يمحي الخير بينَكُم بلِ العكس لأنّكم في النّهاية كُلّكم بشر!

 

من مساوئ هذا العصر أنّنا نقتل كلّ علاقة اجتماعية تربطُنا ببعضنا بسرعة مُرعبة! نعم إنّهُ عصرُ السّرعة فعلا، نُصبِحُ متحابّين ونُمسي على غيرِ ذلك، لكِنّ ذلك لا يجبُ أن يكون بالضرورة كراهية فلا تخترِ الكراهية وصفِّ قلبك فالغدُ لِناظِرهِ قريب وغدا سوف نلقى أحبّة جُدد فأصلِح لهم مكانا من قلبِك وادفع كلّ حِقدٍ لِيبقى لكَ مُتّسعٌ في قلبِك لِتُنزِلهم فيه منزِلاً حسنا؛ ولا تَكُن سجينا لمن ظلمك بالأمس.

 

تذكّر الودّ بينك وبين أحبابِ الأمس وأصدقاء الماضي، فنحنُ أبناء اليوم ولسنا مساجين الأمس، امضِ في حياتِك فهي قصيرة أقصر من البارِحة وقد عِشتها معهم بودٍّ بالأمس فلا تنسى ذلك الودّ اليوم وهي اليوم أقصر.

كلُّ علاقةٍ نختبِرُها في حياتِنا القصيرة لها معنى وقيمة وإن كانت مُحزنة! لا توجد علاقة فاشِلة على الاطلاق إذا أردتَ ذلك؛ نعم صدِّقني! ما يجعنا الانسان الذّي نحنُ عليهِ اليوم هو ما مررنا بهِ بالأمسِ وكيف خرجنا منه، إما انسانا أفضل أو أسوء، كلّ تجرُبة تُعلّمنا وتُقوّينا والذي لا يقتُلك يترُكك أقوى! فكن قويّا بِقلبِك ناسيا لِكلّ سيّئة للناس ذاكرً الخير الذي كان بينك وبينهُم. تعايش لِتعيش، والمتسامحِين ليسوا ضعفاء أو حمقى، بل هم مؤمنون بالخيرِ الذي في داخِل النّاس حتى الذين أساؤوا لهم منهم وإلا فكيف سيُؤمِنون بالخيرِ الذي في أنفُسِهم لِخرجوهُ للنّاس.

 

كان صديقُك بالأمس ذلك مازال يعني الشيء الكثير، تبادلتم الكثير من اللطف والإخاء، ذلك ما جمعكم مهما حدث بعد ذلك من أمر، ولولا ذلك ما بقيتم أصدقاء ليومٍ واحد! فكيف تنسى ذلك! نسيتُم الصدق بينكم فلا تنسوا الودّ. كانت حَبيبتُك بالأمس، تناجيتُم بكثير من الودّ والحِرص على بعضِكُم، لقد جمعكم شيءٌ ما لم يكن لِيجمع كل منكم بِغيرِكم في ذلك الوقت، لقد تشابهت أرواحكم يوما ما وكنتم توائم الرّوح فكيف تنسى ذلك! نسيتُم العهد بينكم فلا تنسوا الوّد.

 

اجعل ذلك سِلاحك إذا ضَعفت روحك وحال ضعفها بينك وبين المغفرة، تذكّر الودّ بينك وبين أحبابِ الأمس وأصدقاء الماضي، فنحنُ أبناء اليوم ولسنا مساجين الأمس، امضِ في حياتِك فهي قصيرة أقصر من البارِحة وقد عِشتها معهم بودٍّ بالأمس فلا تنسى ذلك الودّ اليوم وهي اليوم أقصر، ادعوا لهم في غيبك تمنى الأفضل لهم و ِنفسِك فلديك الكثير منا أشياء الأهم لِتفعلها في حياتك فلا تُنفقها في الغلّ والكراهية ولديكَ الكثير من النّاس الجدد لِتُقابلهم فيها فلا تُسرِفها عمن قد مضوا!

 

افعل هذا لِنفسِك أوّلا ثمّ للنّاس، افعل هذا لتتخلّص من كلّ الأشباح الذين قد تصنعُهم بنفسِك ثُمّ لا تقدر عليهم لأنّك أنت من صنعتها وأعطيتها من ظلمك وغذيتها بحقدك فأنت هو أعدى أعدائك إذا أردت ذلك، وأنت سلامُك الدّاخلي إذا أحببت أيضا، فاشترِ السّلام بالكراهية فهي تجارة سهلة لا يضيعُها غير تعيس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.