شعار قسم مدونات

تونس الخضراء بسواد الحاضر

تونس
لم تمر سنوات كثيرة على الثورة التونسية الرحم الذي ولّد فتيل الانتفاضات العربية الأخرى، وما زال البلد على ما عاهد به أبناءه من فقر وتهميش وخصاصة. ما تزال العائلات التونسية تزف أبناءها موتى في أجواف البحر الأبيض المتوسط في محاولة منهم لاجتياز الحدود خلسة، وهم أبناء مرحلة الثورة وفتيلها.

الواقع التونسي صار ممزوجا بنوبات اليأس وخيبات الملل المتكررة. العالم الخارجي يرى البلاد على أنها خضراء بالفعل، لكن ما خفي كان أعظم. المنظومة الحياتية تأبى أن تنهار رغم قلة الحيلة. تونس التي تقع في تاج القارة الأفريقية تكاد تكون نسخة مطورة من المجتمعات الأفريقية من أسفل العالم الثالث لكن بنفس عصري ومعاناة على الأسلوب الغربي الراقي.

لم يرتقِ الهرم الحكومي في تونس إلى تطلعات الشعب بجميع أطيافه، فالفصيل السياسي لم يعد يركز نظره على المشاكل البديهية للمواطن العادي، بل تطرق لحل مشاكل النخبة التي في 14 جانفي المجيد كانت تشتم رائحة الغاز المسيل للدموع والموت والدماء من وراء الشاشات وعبر جوالاتهم الفاخرة.

الإحساس بالانتماء لتونس ليس سهلا على التونسيين أنفسهم، فهم أبناء قطر أحق به من أولئك الخونة الذين باعوا أسهم البلاد في بورصات عالمية.

تونس اليوم تنافس النموذج الصومالي بامتياز، فقط أنها تحت رداء ساتر صار يتمزق مع الوقت.. الوضع الحالي بتونس يصعب علي اليتيم، فالبلاد صارت المصدر الأول للإرهابيين إلى سوريا وبؤر التوتر وحتى الداخل التونسي لم يسلم من المد الإرهابي من أبنائه، ما يؤكد هشاشة التنظيم العقلاني للمجتمع التونسي وهشاشة المنظومة التربوية التي من المفروض أنها بوصلة الشباب ومؤطرهم، فكم هو مؤلم أن يقتلك أبناؤك.

الحكومات التي توالت بعد الثورة لم تقدم ما كان ينتظر منها، فالفخ السياسي بين الإسلاميين الدساترة واليسار التونسي لم يزد الطين إلا بلة، فالمشهد السياسي التونسي اليوم عبارة عن كمية فوضى لا بداية ولا نهاية لها.

المتتبع للشأن التونسي يستطيع استيعاب الفراغ السياسي رغم ملئهم للكراسي والمناصب، الشعب التونسي الذي عاش سنوات من الجمر تحت النظامين البورقيبي والنوفمبري لا يزال يمني النفس بأن يتنفس بعض عليل الحرية ولو على سبيل المكافأة.

الإحساس بالانتماء لتونس ليس سهلا على التونسيين أنفسهم، فهم أبناء قطر أحق به من أولئك الخونة الذين باعوا أسهم البلاد في بورصات عالمية تحت غطاء تحسين المعيشة وتحسين الوضع الأمني.

الغريب في أمر الثورة التونسية أنها جاءت للقضاء على الظلم والاستبداد ومشتقاته، لكنها أزمت الوضع أكثر وأكدت حتمية خضوع الشعب التونسي للراعي الخاطئ، كأنه نوع من القضاء والقدر غير المرغوب فيه.
 
إن الوطن الحر لا يأبى إلا أن ينتصر رغم عصف الألم ورغم القيد والهم، فنجمة تونس في جبين هذا العالم لا تقبل سوى أن تبقى في سماء هذه المعمورة أبد الدهر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.