شعار قسم مدونات

لماذا يختفي الإبداع؟

blogs - creative
على مدار عقود بل قرون شاع مصلح فعالية العقول العربية في الغرب وعقامها في البلدان العربية دون النظر إلى حيثيات التغير الفجائي في الإبداع والابتكار باختلاف المكان والزمان، لا شك في أن التغير لا يتم كعصى سحرية، بل يمر بمراحل وعقبات حتى تصقل المواهب بشكل إيجابي بداية من الأسرة انتهاء إلى الجامعة كتسلسل طبيعي.

 

يبدئ التدمير "الممنهج" للعقل العربي من الأسرة والمحيط الذي اكتوى بجور المعيشة وضيق اليد ليكون شغلها الشاغل لقمة العيش، ليقتصر الطموح نحو الكفاح على البقاء على قيد الحياة والمنافسة للحياة في شريعة الغاب المتبعة في الوطن العربي.

لا يتطلب من الطالب التفكير والبحث والاستقصاء، ينحصر دور المتعلم في الاستماع، دون أن يعطى مجالا للفهم والتفكير والتساؤل والتجريب والنقد لتتراكم صفة الاستقبال والخجل.

أضف الى ذلك فقدان الطفل ثقته في النفس التي قد تصيب شخصيته في الصغر وتستمر معه حتى يكبر وتؤثر سلبا في كثير من أموره الحياتية، وهي نتاج لممارسات تربوية خاطئة من الأبوين، يقال النبوءة التي تحقق ذاتها ومفادها أنه إذا اعتقد أن الطفل فاشل فأنه سوف يفشل لا محالة، لأن الطفل سوف يسلك سلوكا يحقق هذا التوقع، والعكس صحيح لأنه يصدق الأقوال والأفعال التي تصدر من الأبوين والاسرة، حتى إذا بلغ السن الدراسي دخل المدرسة كتكملة عدد، ليكون الهدف الأسمى تعلم القراءة والكتابة غير آبهين بمكنون الطفل أو ماهية أهدافه وطموحاته.

ناهيك عن عدم المتابعة والتحفيز الذي لا يتنافى مع الحالة المادية فوالدة باراك اوباما ستانلي ان دونهام كرست حياتها لتنشئته في غياب والده الذي تركه في هاواي وعمره عامان، توقظ أوباما عندما كان يقيم معها في إندونيسيا الساعة الرابعة فجرا للدراسة مع كلمات التحفيز وزرع الثقة ليصل الى قمة أقوى دولة في العالم.
 

من ناحية أخرى، يستقبل الطفل يومه الدراسي بالدخول إلى معسكرات الاعتقال التعليمي بسياسة السوط للترهيب والكلام للتعنيف، ليصعق ما تبقى له من أفكار بين مطرقة المدرس وسنديان المعيشة والاسرة، وتتكرر المأساة في مدارس تفتقد لأبسط وسائل التعليم أتكلم هنا عن معظم المدارس الحكومية التي تكتظ بأعداد متراكمة بعضها فوق بعض، وفيما لا شك أن هناك مدارس خاصة متميزة لكنها محصورة لأولئك الذين يولدون وفي افواههم ملاعق ذهب كما يقولون، وللإنصاف هناك مدارس حكومية متميزة طبعا لسياسات الإدارة التي تدير دفة القيادة.
 

بالنظر إلى حال العقل العربي في المدرسة الذي يرغم على التنظير والروتين الممل على مدار ست ساعات دراسية من التلقين الذي يعتمد على تقديم المعلومات بصورة جاهزة للمتعلم، ولا يتطلب منه التفكير والبحث والاستقصاء، ينحصر دور المتعلم في الاستماع، دون أن يعطى مجالا للفهم والتفكير والتساؤل والتجريب والنقد لتتراكم صفة الاستقبال والخجل من المشاركة واستحياء مخالفة النظريات والاتباع الاعمى لما يقال من دون تحليل أو تفكير، لتنتج عقلية مصقولة قابلة للتوجيه والتشكيك والتبعية العوجاء قبل أن تتم المرحلة الدراسية خاتمتها يضطر الكثير من الطلاب للتخلي عن الدراسة؛ طلبا للرزق واستعجال الراحة الأبدية المزعومة، ليكتوي البعض الم يكن الكل بألم الحسرة بعد فوات الأوان.

دائما ما يتم التركيز على المظهر للجامعة وبإهمال متعمد للجوهر، ليستمر حكاية التهميش ليصل الطالب الى سنة التخرج على استحياء، حاملا في عقلة فكرة الخلاص، لعل بعد ذلك خير!

البعض يغادر المدرسة مبكرا تحت تأثير السياسات المتبعة في العملية التعليمية وهكذا يستمر ترشيح العقول العربية وموتها البطيء، وتتكلل المرحلة بامتحانات المرحلة الثانوية بتخرج المحاربون القدامى بعد أن أنهكتهم 12 عاما من التلقين والتفريغ، يضل بصيص أمل في الالتحاق بالجامعة كحلم يراود الجميع لتبدأ في هذه المرحلة التوجيه الإجباري للعقل العربي نحو التخصصات بغض النظر عن الرغبة والحلم والطموح طبقا لشروط القبول ومالية الطالب، ليضطر الدخول في دوامة التخصصات جراء اختيارهم تخصصات يكتشفون بعد فوات الأوان عدم مقدرتهم على متابعتها، ولا عجب أن يظل الطالب العربي حتى سنة ثالثة لا يعرف ماهية تخصصه أو مجالاته، فقد يتسبب فيما بعد في انسحابه وابتعاده عن الدراسة نهائيا، وبالتالي خسارة تلك الكفاءات والطاقات البشرية.
 

غير أن ما يتم في جنبات الجامعة غير بعيد فالسياسة التي يتبعها بعض حملة شهادة الدكتوراه وكأنه ينتقم مما لاقى طوال مسيرته العلمية، ليتبع نموذج الاستعباد التعليمي والتلذذ بعلامات الرسوب وللأسف أنها نتيجة تقيم بها طريقة توصيله للمعلومة بالإضافة إلى التعامل مع الطلاب بأسلوب فوقي إذا صح التعبير، مما يؤدي اتساع الفجوة بين الطالب واستاذة الذي يجب ان تكون علاقة الطالب بأستاذه الجامعي تكاملية وتواصلية، حيث يتم تحجيم الطالب عن البحوث العلمية الخاصة والوظائف التدريبية، ومسابقة المشاريع التجارية وعلى المستوى العملي تظل المختبرات مرتبة أنيقة بحلتها التي فتحت عليه قبل عقود، ليستمر الطالب بالنظر والعمل على استحياء مخافة تعطيل الأجهزة التي تكلف الكثير لنجد مهندسين أطباء وصيادلة وكفاءات في كل التخصصات هم الأكفأ من حيث الدرجات والتقديرات العلمية، ولكن أعمالها وإبداعاتهم وإنجازاتهم لا تصل إلى مستوى متقدم!
 

دائما ما يتم التركيز على المظهر للجامعة وبإهمال متعمد للجوهر، ليستمر حكاية التهميش ليصل الطالب الى سنة التخرج على استحياء، حاملا في عقلة فكرة الخلاص، لعل بعد ذلك خير، كالمستجير من الرمضاء بالنار عندما يتخرج الطالب ليعاني الأمرين في الحصول على وظيفة أو منحة لإكمال دراسته العليا، وبعد معاناة يستسلم ليرضى بما قسم الله له، لنعود الى المربع الأول رحلة الكفاح للبقاء على قيد الحياة بين هذا وما يتوصل إليه العالم من تقدم في كل المجالات، يغتال العقل العربي ويستحقر نفسة وينكمش انكماشه مودع ليرضى بالدون قسرا.
 

وبعد ما سبق نتساءل، لماذا العقل العربي فعال في الغرب سطل في الشرق غريق في وحل البحث عن البقاء تحت رحمة السلطان وما يمن به من خير جزاه الله خيرا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.