ما معنى السلفية ؟ ومن هم السلفيون ؟ وهل هناك تعريف جامع مانع للسلفية ؟ كيف يمكننا فهم الضجة الحاصلة حول السلفيين ؟ وأيضا الضجة التي يحدثها السلفيون حول أنفسهم؟
تساؤلات كثيرة تدور برؤوس الكثيرين منا حول هذا التيار الفكري؟ وقد نعجز أحياناً عن الحصول على جواب شافي لكثير من الأحداث المتعلقة بجماعاته وأفراده .
الكتاب والسنة
تتلخص "السلفية" في أنها دعوة للعودة لأخذ الإسلام من أصوله الصافية المتمثلة في الكتاب والسنة مشترطة "فهم سلف الأمة". والسبب في ذلك راجع إلى الانحرافات التي وقعت في فهم الإسلام وتأويل القرآن والسنة التي ظهرت عبر تاريخ الأمة، متمثلة في فرق الضلال والابتداع كالخوارج ، والجهمية، والروافض الشيعة، والمعتزلة والمرجئة والأشاعرة، والصوفية والعلمانية، وغيرهم من الفرق المنحرفة عن الفهم الصحيح للإسلام.
في الحديث، يقول النبي صلى الله عليه وسلم" افترقت اليهود على إحدى ـ أو اثنتين ـ وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وفي مقابل ذلك وجه النبي أمته إلى ما تعتصم به للنجاة من هذا التفرق والانحراف فقال" تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وسنتي". فالسلفية لم تأت بجديد بل هي دعوة تجديدية تهدف للحفاظ على الإسلام نقياً كما نزل.
فَهم سلف الأمة
يقوم المنهج السلفي على قراءة القرآن والسنة والعمل بهما وفق فهم سلف الأمة الصالح، فلماذا هؤلاء السالفين بالذات؟
– لأن الله زكي إيمانهم ومُعتقدهم وسلوكهم الخ ، كما زكاهم أيضا رسول الله، فهم قدوة المسلمين في كل زمان ومكان. ففي صدر الإسلام الأول كان الدين نقيا غضا كما أُنزل، وامتاز جيل الصحابة بحرصهم على حفظ الدين نقيا كما بلغهم. قال الله تعالى" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
فمن هم السلف؟
"السلف" في اللغة: الآباء المتقدمون أو الأجداد. ومذهب السلف هو ما كان عليه الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ والتابعون وتابعو التابعين من أئمة الدين كالأئمة الأربعة وأصحاب السنن وغيرهم من أئمة الإسلام السالفين. وفي الحديث الصحيح يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ".
صواب الأخذ عن منهج الصحابة في فهم الدين نهج خطه كبار أئمة الإسلام قديماً، حيث يقول الإمام أبو حنيفة "إذا لم أجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله أخذت بقول أصحابه ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم" |
الصحابة هم رأس سلف الأمة وقمة هرمهم، ولصحابة النبي فضل وسبق في الإسلام عن غيرهم ، فهم حواريو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعلم الأمة بالكتاب والسنة ، صحبوا النبي وشهدوا أحواله وأخذوا عنه الدين شفاهة. قال رسول الله " ما من نبي بعثه اللهُ في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره".
فالصحابة أشد الناس تمسكاً بالإسلام وتضحية في سبيله، شهد الله تعالى لهم بالإيمان والصدق، وأجمعت الأمة جيلاً بعد جيل على إمامتهم وعدالتهم. ولقد تضافرت جهود الصحابة على إقامة الدين وإرساء قواعده ونشره في الآفاق، وبذلوا في ذلك جهودا كبيرة. وما وقع من اختلافات أو منازعات بين الصحابة لم تكن خلافات على العقائد والأحكام وثوابت الدين.. وإنما كان على الاجتهادات البشرية ومدى صدق صلتها بنصوص الكتاب والسنة.
يقول عبد الله بن عمر "كان أصحاب رسول الله خير هذه الأمة قلوباً وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونقل دينه". وصواب الأخذ عن منهج الصحابة في فهم الدين نهج خطه كبار أئمة الإسلام قديماً، حيث يقول الإمام أبو حنيفة "إذا لم أجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله أخذت بقول أصحابه ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم".
هل لسلف الأمة فضل على غيرهم من المسلمين؟
– يجيب القرآن عن هذا السؤال، قال الله تعالى ﴿ لقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾.
وقال سبحانه ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
وقال تعالى في شأن المهاجرين ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾
أما في شأن الأنصار فقال سبحانه ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ ﴾. ويجيب النبي صلي الله عليه وسلم بقوله “ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
السلفية منهج المجددين
قال رسول الله "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وفي معنى "تجديد الدين" المذكور في الحديث يقول المُناوي "أمر دينها أي ما اندرس من أحكام الشريعة، وما ذهب من معالم السنن وخفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة".
وقوله "من يجدِّدُ لها دينها" قد يُفهمُ منه أن المجدد شخصٌ واحدٌ وليسوا جماعة أو جماعات. لكن لفظة "مَن" تصلح للفرد كما تصلح للجماعة.
وجاء في شرح اللجنة الدائمة للبحوث للحديث "أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين ـ الذي أكمله الله لعباده ، وأتم عليهم نعمته ، ورضيه لهم دينًا – بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام وداعيةً رشيدًا ، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة ، ويجنبهم البدع ، ويحذرهم محدثات الأمور ، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فسمى ذلك : تجديدًا بالنسبة للأمة ، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله. فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.