شعار قسم مدونات

حين ولدت يا أمي..

blog حزن
ذات يوم ورديّ تمنيت أمنيات لابد وأنها كانت من وحي خيالي آنذاك.. تمنيت أن أحمل ذاك الطفل الملطخ بالدماء أن أمسح عينيه البريئتين وأقول له: لا تخف يا صغيري هيا بنا لنعد إلى المنزل، تمنيت لو أنني أخذته بعيداً حيث لا حروب ولا دماء، حيث الأطفال يلعبون هنا وهناك وتملأ ضحكاتهم الأرجاء، أن نجلس معاً تحت شجرة يمتد ظلها في مكان يبتعد عن ضجيج المدينة وأغني له: "نم يا صغيري نم بأمان".

 

تمنيت أن يعود ذلك الدمار ليبني نفسه، أن يعود أولئك الذين رحلوا وتركوا جراحاً لا أظن بأنها ستشفى حتى بمرور الأيام. تمنيت أن يعود العز والمجد لنا كما كنا في سابق عصرنا، أن نكون أسياد العالم وننشر فيه السلام والإسلام دون الخوف من قوى خفيّة، أن يختفي حكام العرب بل فليذهبوا إلى الجحيم آخذين معهم ما تركوه من دمار وحزن، وأكوام من الفساد المتراكم، والشعوب النائمة.

 

لم أُدرك بذاك اليوم حين ولدت يا أمّي بأن الحزن في قلبي سيسكنني ولن يرحلْ.. على شامٍ على مصرٍ على قدسٍ تئـِنّ وحزنها يكبُر.. على أشلاء وحدتنا التي تُقتل على ذلٍ يلاحقنا على ضعفٍ يمزّقنا على وطنٍ يضيقُ بنا ويرسلنا إلى المهجرْ.

تمنيت أن نتخلص مما سجّله التاريخ عنا من الذل والعار، والفساد والاستبداد والتبعية العمياء. تمنيت وتمنيت ولكنني أدركت بأنني أحلم وأن الواقع على عكس ذلك تماماً. في بعض الأحيان.. أتمنى لو أنني لم أولد حقاً في هذا العالم الظالم حيث لا مكان فيه للضعفاء، كل من فيه هم قتلةٌ ترتسم على وجوههم ضحكات مزيّفة، يحملون أسلحة خفيّة تترك دماراً لا بد وأنه أقوى من تلك التي يطلقون عليها "أسلحة الدمار الشامل" فهي تفتك بالقلوب والعقول فماذا بعد هذين الإثنين من دمار!
 

هل سأشهد أنا ابنة العشرين ربيعاً تحقق تلك الأمنيات الحالمة أم أنها سوف تفترش معي التراب! كبرتُ وأدركت حقاً أن كل ما يحدث في هذا العالم هو بسبب ذلك الطمع والجشع الذي يسكن النفوس، إنّ المال والسلطة يسببون الجنون لمن يمتلكهم، فيتحول لأداة لا تمتلك أيّة مشاعر بل تقتل وتدمر كل شيء يقف عائقاً في طريقها، تلك الأداة الفارغة الواقعة تحت تأثير رائحة الأموال، لن تتذكر علماً تلقته ولا أخلاقاً تحلت بها، فقد باعت كل ما تملك من أجل الصعود إلى ما تسميه القمة، قمة!
 

بل إنها من وجهة نظري قمة القاع، حيث تتوالى بعد ذلك التنازلات حتى تصل إلى بئر عميقٍ يمتلئ بالدماء والفساد وكل التجاوزات الممكنة، ولا يدفع ثمن ذلك سوى تلك الشعوب المسكينة، والتي انتشر فيها الجهل عمداً لتتلاءم مع تلك المخططات المدمرة.

 

في النهاية..

لم أجد كلمات تعبّر عمـّا يجول بخاطري سوى تلك التي خطّها قلبي قبل قلمي، منذ زمن ليس ببعيد تقول:

 

ولم أُدرك بذاك اليوم

حين ولدت يا أمّي

بأن الحزن في قلبي

سيسكنني ولن يرحلْ

..

على شامٍ على مصرٍ

على قدسٍ تئـِنّ

وحزنها يكبُر

..

على أشلاء وحدتنا

التي تُقتل

على ذلٍ يلاحقنا

على ضعفٍ يمزّقنا

على وطنٍ يضيقُ بنا

ويرسلنا إلى المهجرْ

..

سيبقى الحزن يا أمّي يلاحقني

حتى تعود إلينا شمس عزتنا

ولا نُـقهر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.