شعار قسم مدونات

جمهور المصفقين.. أهلاً بكم

blog تصفيق

تربينا في جيلنا الغابر على العادات والتقاليد واحترام الشرعيات وإعطاء القداسة للدين، بالتالي كان لدينا موقفاً خاصاً داخلياً، لكنه لم يمنعنا من التعامل مع غيرنا مهما كان.

شاءت الأيام وكبرنا، وتعرّفنا على أرض الحياة على النماذج المتعددة والمتناقضة التي قرأناها في الكتب، لنجد أنّ الهوة متسعة بين الحياة والكتاب، فكانت الفصول تتحدث عن كل صنفٍ لوحده، دون سجالات التاريخ مع بعضهم البعض، من المؤكد لم تكن الحياة وردية، لكنّ الحدود المرسومة لكل طرفٍ تُعطيه الحق والصلاحية لممارسة ما يعتقده دون اعتداءٍ على سواه.

شاء البعض أن يُسمّيها في يومنا تقليداً ما، ولأنّ نظرة الحداثة المبثوثة في روح شباب اليوم، وتعطشهم للحرية، والبحث عن طريق خاصٍ، ليس بالأمر السيء بالضرورة، لكن شاب هذا الأمر عوامل أخرى جعلته ينحرف عن مساره قليلاً، البعض كما يُقال "ضلّ الطريق وعاد" والبعض الآخر ما زال يبحث. ولكلٍ منهم مقياسٌ للطريق ومقياس للعودة، والناس فيما يتبعون مذاهب.

برزت بعض الأسماء في زماننا، امتعض البعض كثيراً تجاهها لدرجة أن وصل منهم إلى تكفيرهم، والبعض الآخر صفّق لهم ووصل منهم لدرجة تمجيدهم. كِلا الأمرين حاصلٌ بتضاده مع الآخر. فهل المشكلة بأنّ رأيي خطأ يحتمل الصواب وأنّ قرارك الصائب يحتمل الخطأ؟ أمّ أنّ الصندوق الذي خرجنا منه محاولين تحطيمه لأننا وجدنا أباءنا فيه، فبالتالي هو شيء خاطئ غير صائب مهما كان، لنخرج لصندوقٍ آخر، بعيداً عنهم، لأنّ الصواب فيه بالتأكيد !

في فترةٍ مضت، كنت أظنُّ ظنّ جاهلية في حريّة الرأي الواحد، هه!، مضحك!، فكيف تكون حرية؟ وكيف تكون في رأيٍ واحد؟، المهم، كانت تلك مرحلة سابقة، وذلك لاعتقادي بأنّ ما اعتقده هو الصائب، فبالتالي تتملكني الحَميّة أن يكون الجميع معي في ما أظنه وأعتقده، ظناً مني أنه سببُ سعادتي، فهو بالتأكيد سيكون سبباً لسعادتهم.
 

الأفكار ليست حِكراً لأحد، وكما يحق للكثيرين أن يقعوا في خانة الشك يحق لهم الخروج منها ولو بعد حين.

ما علاقة هذا بذاك؟
الفكرة تكون كالتالي، كثير من الأمور انتشرت في التاريخ الماضي، لكنها لم تصلنا لإحدى الأسباب أنها لم تُحمل بأيّ أهمية كي تصل، فكما يُقال: "ماتت في أرضها". الفكرة الأخرى بأفكارٍ انتشرت لأنّها لاقت رواجاً و"تصفيقاً" بغض النظر لأنها كانت فعلاً صائبة أم أنّها وجدت فراغاً ما قامت بسداده، فكانت الشمّاعة التي يُعلّق الناس عليها وقولهم: " انظروا لرواجها وكيف إقبال الناس عليها!"، ويكأنّ الرواج وكثرة الأتباع هي الحَكَمْ !

هذا من ناحية الأفكار المنتشرة وصفّ الناس فيها، لكن من ناحية الناشرين والواقفين على المنصات، هنالكَ وباءٌ مُخيفٌ منتشر يضع كل إنسان أمام نفسه خائفاً من هول ما يأتيه من إقبالٍ وتصفيق وهزٍ للرؤوس دليل الاتفاق والكلام الصائب، هذا ما يبعث في البعض أن يكون حَذراً تجاه كلّ ما يقوله، بل ويَنشره ولو كان تغريدةً صغيرةً على منصات التواصل الاجتماعيّ فيتبع الأمر بالإعجابات وإعادة النشر وتغريدها.

الأفكار ليست حِكراً لأحد، وكما يحق للكثيرين أن يقعوا في خانة الشك لأنهم وقعوا بها ويحق لهم الخروج منها ولو بعد حين، فإنّ للناس حقٌ بغلبة فطرتهم السليمة عليهم وقناعتهم بما يرونه، ليس في هذا ولا ذاكَ ضير.

وليست المشكلة في الأشخاص المنتشرين ومن نصفق لهم، فأيضاً يحق للكثيرين قول ما يشاؤون طالما أنه من قناعتهم، وعليهم تحمّل تبعات ومآلات ما يقولونه، فإنه يحق لأولئك المخفيين في الأزقة والأماكن الصغيرة أن تنتشر كلمتهم طالما كانوا أيضاً مسؤولين عن قناعاتهم ومآلات أفعالهم.

الحياة كلها صناديق، تنتشر هنا وهناك.. ليس للإنسان أن يخرج من الصندوق ليكون عائماً في الفضاء وحيداً دون خيطٍ يسحبه إلى ما يهواه ويتمنى، ولكنّ الحريّة الحقة في كل ذلك، هي أن تختار قيدك بنفسك، وتبني صندوقك الذي يُلائمك أنتَ وحدكْ، وليقل حينها من شاء ما شاء…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.