أنا الشاب الذي عاش تسعينَ عاماً في عامِه العشرين، سيّدي الرئيس، أعرّفكَ عن نفسي.
أنا الفتاة التي فاتها حفل التخرّج لأنّها في المساء نادلة، سيّدي الرئيس، أعرّفكَ عن نفسي.
أنا الرجل الذي حاز على شهادة موتِه قبل شهادة ميلاده، سيّدي الرئيس، أعرّفكَ عن نفسي.
أنا المرأة التي عرفَتْ كل هؤلاء قبل أن تعرف نفسها، سيّدي الرئيس، أعرّفكَ عن نفسي.
عرّفنا عن نفسك سيّدي الرئيس،
متى تستيْقظ؟ هل تحتسي القهوة حين تقرأ جريدة الصباح؟ هل تشاهد التلفاز وتقرأ "شريط العاجل" أثناء تناولكَ الفطور؟
نحنُ لا نملكُ أسهماً، ولا نُراهن على"دَوبَلة" أرصدتنا في السوق السوداء.. نحن شعب عظيم جداً.. ليسَ إلّا.. و رهن إشارة "حذائك" |
أخبرنا عن تفاصيل حياتك.. هل تشبه تفاصيل حياتنا؟
هل تشعرُ بالفخر حين يتفوّق أبناؤك في المدارس الحكومية.. فيأتونكَ مساءً بشهادات الامتياز والتقدير.. وأنتَ عاجزٌ عن دعوتهم للخروج لأن الشهر شارفَ على نهايته، وكذلك الراتب المتواضِع؟
هل تشعر بالتواضع سيّدي الرئيس؟ نعم هو شعورٌ لا أكثر.. هل تشعر أصلاً؟
بماذا يشبِهكَ ذاكَ التمثال بالقرب من القصر الرئاسي؟ هل خُلِقتَ من رخامٍ ونحن خُلِقنا من طين؟؟
إليكَ خبرٌ عاجل: الرخام ينكسر.. الطين لا ينكسر.. وأنتَ حتماً لا تنكسِر.
استخدم الطوب والطين كما فعلَ أجدادُنا.. بالمناسبة، ماذا تعرف عن أجدادك؟ هل تقرأ التاريخ؟ هل تؤمن بالتاريخ أصلاً؟؟
حدّثنا عن إيمانِك.. هل تؤمن بأنّ الله موجود؟ هل لديكَ إلهٌ آخر؟ هل فاتكَ بأنّ الله لم يخلق بشراً من رخامٍ وبشراً من طين؟
ما الذي فاتكَ تحديداً؟
فاتكَ بأنّك لا تشبهُنا بشيءٍ ولا نشبهكَ بشيء.. حتّى اللّغة التي بها تُخاطبنا مُبهَمة.. تُتَرجم بعبارةٍ واحدة: يا شعبي العظيم.. ادفع المبلغ كاملاً.. لديكَ مُهلة.. أربع سنوات قابلة للتمديد!
إليكَ خبر عاجل آخر: أنتَ تبيعُ الخطابات، ونحن نشتري الخطابات.. وندفع المبلغ كاملاً..
نحنُ لا نملكُ أسهماً، ولا نُراهن على"دَوبَلة" أرصدتنا في السوق السوداء.. نحن شعب عظيم جداً.. ليسَ إلّا.. و رهن إشارة "حذائك"
بالحديث عن الحذاء، في المتحف الوطني سيّدي الرئيس، حذاء فاق سعره مليونيْ دولاراً، لأنّ أحدهم قرّر أنه يليق بأحدهم أكثر، لكن تحمّس قليلا" على الهواء" ومن فرط سعادته تعثّر"بكابلات الكاميرا" وطار الحذاء من يدِه..
نحن لا نختنقُ من جرّاء تلوّث الهواء فقط.. لكنّنا نحيا فقط لأنّ الموت في أواطننا بطيء.. |
أوَ ليس هذا ما أخبرتنا به في زيارتكَ الماضية؟ هل كذبت؟؟
لماذا يقول البعض (الشهير) بأنّ أحدهم يستحقّ ضربة حذاء على رأسه؟ لأنّ رأسه الرخاميّ سريع "الانكسار"؟ هل تُخفي عنّا أمراً ما؟
نعتذرُ منكَ سيّدي الرئيس، احتفظنا بزجاجة "الشامبانيا" للعيد القادم.. لم نقم بالواجب.. لكن نأمل أن تكون قد استمتعتَ بزيارتكَ تلكَ.
نحن استمتعنا..
نعتذر إن سخر منكَ أولادنا، و تموْضعوا في صورة جامعة حولكَ.. فنبتت في رأسكَ ستّ أصابعَ .. كانت صورة مُضحِكة!
أنتَ مُضحِك..
سيّدي الرئيس.. هناكَ أمر أخير.. نحن لا نختنقُ من جرّاء تلوّث الهواء فقط.. لكنّنا نحيا فقط لأنّ الموت في أواطننا بطيء..
بكلّ صدق.. خذ المبلغَ كاملاً.. واحتفِظ "بالفكّة"