قد تبهرك حركات القرود البهلوانية وقد تستمتع بها في حديقة الحيوان، أما أن تجدها على أرض الواقع في صورة أخرى فهذا ما سوف يبهرك حقاً.
بالرغم من خفة ظل وذكاء تلك الحيوانات البسيطة، وتجمعها في قبائل شبه منظمة إلا أن الطابع الغالب على حياة هذه الكائنات في الحقيقة عشوائياً، الحكم للقوي والطعام للقوي والإناث دائماً ما تبحث عن الأقوى، ومن الممكن أن تكون القرود آمنوا بنظرية دارون فماذا عن الإدارة المصرية؟
الطبيعي أن تتواجد الجيوش على حدود الدول من أجل حماية المدنيين، وهذا ليس فضل أو منة منهم ولكنه دورهم في خدمة الوطن |
هل آمنت الحكومة المصرية أيضاً، واتخذت من حياة القرود سبيل لها في إدارتها للأمور الخارجية والداخلية، أم أن العشوائية أصبحت مشروعاً رائداً لتحقيق أهداف الحكومات؟
تابعت عن كثب في الأيام القليلة الماضية أزمة الألبان، ورأيت أمهات تحمل رُضّع يبكون من الجوع في تجمهر الشركة المخصصة لبيع تلك الألبان، هنالك أزمة ويجب أن نتحملها، لماذا إذاً لا نسأل أنفسنا من يصنع تلك الأزمات ؟ ومن المستفيد ؟
كما تعودنا في مصر على الإنبهار دائماً، أدهشني وأزعجني الحل السحري الذي قام به الجيش المصري، بعد تدخله في حل تلك الأزمة التي وضح بعد ذلك أنه كان سببها منذ البداية . راجعت نفسي وأدركت أنه لا ينبغي أن أنزعج أو أندهش فلا يمكن أن نلوم الذئاب على مكرها.
تلك كانت شروط التعاقد بين النظام والشعب، منذ قالها صريحةً الرئيس السيسي أن من سيدفع هو وحده من سيحصل على الخدمة، لكن لماذا إذاً الجيش هو من يقدم الخدمات في حين وجود حكومة ومؤسسات هي الموكل لها تيسير تلك الخدمات للشعب، في الطبيعي أن تتواجد الجيوش على حدود الدول من أجل تقديم خدمة الحماية للمدنيين، وهذا ليس فضل أو منة منهم ولكن هذا دورهم في خدمة الوطن، والمدنيين يديروا الاقتصاد والسياسات من الداخل، ولكن ماذا لو تحولت مؤسسة داخل الدولة إلى أن تصبح دولة تحوي بداخلها المؤسسات.
شاهدت في يوم نشرة أخبار في القناة الرسمية للدولة كانت تتناول بعض مما يحدث الآن، كان هنالك خبر عن موافقة البرلمان الإيطالي على وقف إمداد الجيش المصري بالمعدات وصيانة الأسلحة على خلفية قتل "ريجيني" بعد أن هزت كلمات أمه ضمائر ومشاعر الإيطاليين كلهم حكومة وشعب، ولكن لم تكمل المذيعة النشرة معلنة عن إنجاز جديد مدوي أعلن عنه الجيش المصري، فلم أتخيل أن هذا الإنجاز ما هو إلا عبارة عن أرخص تكيف للهواء!!.
في أغلب الظن أن لو كان للقرود عقل لما اختارت أن تعيش حياة الفوضى والعشوائية كما اختارها القادة في مصر |
هكذا تتجلى أمام أعيننا نتيجة أن تصبح مؤسسة هي الحاكمة وتُسبّح بحمدها باقي الدولة، هي مسيرة مقدسة يراها البعض، وتدخل سافر يراه البعض الآخر، أما أنا فأرى أنها حلقة جديدة من مسلسل الفوضى والعشوائية ، فكيف لمؤسسة حربية لا تصنع الأسلحة بل تصنع المعكرونة، والتكيفات والحلويات في أثناء المناسبات، ويبقى مجال التسليح هو المجال الذي لم تقتحمه بعد!
الضرائب تزيد، الأسعار ترتفع، الشعب يغلي على صفيح ساخن، لكنه كما تعودناه شعب أصيل ويبقى يتوسم في الشخص خير حتى النهاية ، لكن منذ الصغر وكما تعودنا، فإن من المسلمات أن الشمس تشرق من الشرق، والأفيال لا تسبح، وأن الأسعار وكثرة الضرائب هي من أهلكت السلاطين والملوك لكن يبدو أن من يستمع دائماً ما كان أصم .
الحقيقة أن التشابه بين الإنسان و القرود، سيظل مجال للحديث ما دام الإنسان يختار أن يعيش حياة القرود، و لكن في أغلب الظن أن لو كان للقرود عقل لما اختارت أن تعيش حياه الفوضى و العشوائية كما اختارها القادة في مصر .
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.