بعد الثورة التونسية التي أججها الشباب وقادها بصفة عفوية وبدون تأطير سياسي، استبشرنا خير وقلنا سيتغير وضع الشباب في تونس وستتم العناية بوضعهم وإعطائهم الأولوية القصوى في البرامج المستقبلية .
والأهم أن ساحة المجتمع المدني أصبحت مفتوحة ومتاحة للجميع لكن الوضع لم يتغير كثيرا، ففي إحصائيات رسمية لسنة 2013 نجد أن 6 بالمئة من الشباب يشاركون في العمل الجمعوي ( 29 بالمئة منهم خيرية و 27 بالمئة ثقافية ) مما يعني أنه لم ينخرط في أدوات الفعل المجتمعي والعمل التطوعي.
أما العمل السياسي فلا تسأل فقط 2.7 بالمئة لديهم عضوية في حزب سياسي و 8.4 بالمئة ينوون العمل في الحزب السياسي و 18.4 بالمئة لديهم حزب مفضل، وهو ما يفهم منه انحصار اهتمامات الشباب في مشاكلهم الخاصة ومشاغلهم اليومية، وجعل العمل التطوعي في آخر اهتماماتهم.
وفي العمل السياسي الحزبي، مازال الشباب بعيدا عنه وهو يتحمل مسؤولية لأنه لم ينخرط في النشاط السياسي ويطرح أفكاره ويحاول التغيير الإيجابي إما من منابر السياسة والأحزاب أو منابر الجمعيات. ويتحمل السياسيون المسؤولية أيضا لأنهم لم يقدموا العرض المناسب للشباب الذي يعبر عن اهتماماتهم و انتظاراتهم.
تجد أحزاب سياسية لا تفكر في الشباب إلا كديكور أو كأداة لدى القيادات أو كأحزمة داعمة لخط داخل الحزب أو أبواق لأفكار معينة |
وإذا سلمنا أن أدوات التأطير والتثقيف الطبيعية وغير الرسمية للشباب هي الجمعيات والأحزاب و المجتمع المدني عموما، فهذا يحيلنا لسبب من أسباب ضعف تأطير الشباب ووعيهم، وهي أن الأدوات الرسمية و مناهج التعليم والتربية ليست كفيلة بذلك .
ومن المضحك أن تجد جمعيات عريقة في تكوين الشباب مازالت إلى اليوم تناقش مشاكلها الداخلية القديمة بدل البحث على بدائل لإستقطاب الشباب وتأطيره وجعله فاعلا إيجابيا أساسيا في تغيير المجتمع ونهضته.
وتجد أحزاب سياسية لا تفكر في الشباب إلا كديكور أو كأداة لدى القيادات أو كأحزمة داعمة لخط داخل الحزب أو أبواق لأفكار معينة، وحتى الشباب الناشط داخل الأحزاب على قلتهم تجدهم منغمسين في صراعاتهم الداخلية الوهمية صراعات المناصب والزعامات. و حتى الحراك الطلابي مازال يستحضر مشاكل وصراعات الجامعة في السبعينات والثمانينات.
في الأخير، إن الشباب بعيد كل البعد على مسالك التأطير وغير مندمج في كل المجالات، فتجده يصنع شخصيته بعيد عن الأضواء وحين يخرج للنور يتفاجئ المجتمع من أفعاله وأفكاره، وللسائل أن يسأل ماذا فعلت المؤسسات الرسمية للبحث على هذه المسالك البعيدة عن الأضواء؟ وماذا فعلت للتأثير فيها إيجابيا ؟
يبقي الشباب التونسي طاقة مهدورة لم تُفعِّله وتوظفه الأطراف المتداخلة لعدم قدرتهم على ذلك أو لغياب الإرادة الفعلية على القيام بذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.