شعار قسم مدونات

في بيت زوجك تشترين حصاناً

blogs - wedding
تحدثني إحدى الصديقات، أنها منذ بدأت تحلم، بأن تسافر إلى المالديف، وتقتني حصاناً، وتتعلم الغوص، وتعمل في تصميم الأزياء وفي أوركسترا موسيقية، كانت تشارك والديها أحلامها تلك، كانت خلال جلسات الأسرة على الطعام تحدثهم عنها، وكانت دائماً تتلقى الرد : في بيت زوجك إن شاء الله ستشترين حصاناً و..

بمرور الوقت أصبحت تحتفظ بأحلامها لنفسها، حتى لا تتحول ابتسامتها والتماعة عينيها إلى تنهيدة إحباط وخيبة أمل ، لدى سماعها الجملة البغيضة " في بيت زوجك ".

من واجب الأهل أن يبنوا ابنتهم لتصبح امرأة قادرة على الوقوف على قدميها لوحدها، دون الاتكاء على أحد.

تخبرني كم مرة تخيلت أحلامها، كم كان بإمكانها أن تحقق وتنجز قبل ارتباطها، كم فرصة تدريب وعمل وسفر وكم فعالية اجتماعية وثقافية فوتت، وكم فستان وحذاء ذو كعب عالٍ أرادت اقتناءهما، والردود دائماً " عندما تتزوجين".

وكم من فتاة تقال لها هذه الجملة باستمرار، لتكون الرد الأسرع على كل طموحاتها وأحلامها، حتى الصغيرة منها.

عدد لا يستهان به من الآباء والأمهات يعاملون بناتهم على أنهن ضيفات في بيوتهم، وفي الحقيقة فإن النظر إلى الفتاة على أنها ضيفة في بيت والدها، أو أنها نزيلة في فندق أو تمر هنا بمرحلة انتقالية لحين قدوم الرجل الذي ستتزوجه، مع أن هذا الرجل قد يأتي وقد لا يأتي، يجعل هذا الأسلوب من المعاملة الفتاة -الطموحة على وجه الخصوص- تنظر للزواج على أنه المنقذ والمخلص، ويدفعها دفعاً نحو التعلق بأية فرصة للخروج من قفصها، ويؤثر بشكل سيء على اختياراتها.

فضلاً عن كونه يبني في لا-وعيها أن اقتناء الحصان والسفر إلى المالديف والعزف في الأوركسترا كلها ستأتي مع الرجل الذي سترتبط به، مما يرسخ فكرة " فارس الأحلام " الرومانسية في عقلها ويجعلها تظن أن هذا الزوح هو محقق الآمال، بينما يجب عليها أن تتعلم أن تحقق أحلامها بنفسها، سواء كان هنالك رجل أم لن يكن.

وقد تمتد هذه السلسلة حيث إن الفتاة التي عاشت في وضع كهذا تمارسه مستقبلاً على بناتها، تكون مشبعة بهذا النموذج وتتمثله بصورة لا إرادية، تصبح بتلقائية ترد على أحلام ابنتها: في بيت زوجك إن شاء الله. والله وحده يعلم متى تتوقف هذه السلسلة المصيبة.

المشكلة أن السياسة التي يتبعها الأهل في التعامل مع بناتهم وكبت طموحاتهن أو رغباتهن بدافع الخوف، بأن يعتبروا أن من حفاظ الرجل على ابنته وكرامتها، أن يُجلسها في المنزل ولا يدفع بها إلى سوق العمل، أو أن من تدليل الرجل لابنته ورفعه لمكانتها أن تجلس " كالملكة " ويُجلب لها كل ما تحتاج، وأن المجتمع قطيعٌ ذئاب وهي الحمل الوديع سينقضون عليها عند أول خروج للحياة.

إنما هي سياسة تدميرية للغاية، تدمر كيان الفتاة وتطمسه، وسوف تواجه مشاكل غداً عندما تخرج إلى الشارع، سوف تخشى إيقاف سيارة أجرة، وتخشى أن تزاحم الناس في الأسواق، وتفاصل الباعة لتحصل على سعر مناسب، وتخشى من اتخاذ أي قرار بمفردها، لأنها لم تعتد ذلك، فكل شيء كان موجوداً على الدوام، لكن الذي لم يتذكره الأهل حينذاك أن لا أحد يدوم لأحد، وأن ابنتهم هذه معرضة في أية لحظة لمواجهة الحياة وحدها وبنفسها.

يا معشر الأهل، لا تقولوا لها " في بيت زوجك " تفعلين وتفعلين ، اليوم تحزن هي وغداً تحزنون أنتم.

أعتقد أن من واجب الأهل أن يبنوا ابنتهم لتصبح امرأة قادرة على الوقوف على قدميها لوحدها، دون الاتكاء على أحد، أن تكون كياناً مستقلاً لا كياناً تابعاً لرجل باستمرار، ويبدأ ذلك من تسليحها بالعلم ومساعدتها لتحقيق استقلال مادي ودفعها في معترك الحياة بمعزل عن فكرة انتظار الزوج الذي لا يُعلم متى يأتي، وربما لا يأتي.

أتساءل دوماً عن كون الآباء والأمهات يتخذون هذا الموقف مع بناتهم دون أبناءهم – الأمهات خصوصاً – ، كيف أنهم يسمحون لهم بالسفر، يعطونهم حرية أكبر في قرارات الدراسة والعمل بينما لا ينتهجون المنهج ذاته مع بناتهم، بحجة الخوف على البنات.

يظن الآباء أنهم بهذا يحفظون بناتهم ويحبونهن، لكن إنما من الحب ما قتل أحلاماً ودمر شخصيات وقضى على طموحات، وخلف ذكريات حزينة عن مرحلة " بيت أهلي " لدى الفتيات.

على أن الأهل قد يفعلون ذلك لأجل التخلص من عبئ المسؤولية المترتبة عليهم تجاه الفتاة حتى يأتي من يتحمل هذه المسؤولية عوضاً عنهم، لا أدري هل يتوقف الأهل عن الخوف على بناتهم عندما يتزوجن؟ أم أن الفكرة تكمن في إخلاء المسؤولية وتبرئة الضمير، حيث تصبح الفتاة تعرف بأنها " زوجة فلان " حتى لو كانت " ابنة فلان "؟

يا معشر الأهل، لا تقولوا لها " في بيت زوجك " تفعلين وتفعلين ، اليوم تحزن هي وغداً تحزنون أنتم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.