شعار قسم مدونات

المعركة التي لم نخضها

blogs - library

كل آمال التغيير وأحلام العالم العربي والإسلامي بالنهوض بدأت بحماسة وشعارات كبيرة ، لكنها سرعان ما انهارت وتوقفت وخلفت إحباطا كبيرا، فعلى سبيل المثال كان حلم النهضة والوحدة العربية كبيرا لكن لا شيء من ذلك تحقق فأغلب الدول العربية تعيش خلافات فيما بينها، وتقبع في المراتب الأخيرة لمؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الخيبات والانكسارات لها أسباب وعوامل  داخلية وخارجية، وغالبا مايتم تسليط الضوء على العوامل الخارجية وتهمل العوامل الداخلية. 

أما جامعة الدول العربية فهيكل إقليمي كسيح واتحاد المغرب العربي هيكل معطوب، والأسوأ من ذلك أن الأحزاب والتيارات التي حملت تلك الشعارات (التنمية والنهضة الاقتصادية، والثورة، والديمقراطية، والحرية و..) كانت من الأسباب الكبيرة لنكبة التنمية والديمقراطية في بلدانها، إذ أنها ما إن تمكنت من السلطة حتى حولت بلدانها إلى «عِزَب» للحزب الوحيد كما حصل في سوريا والعراق ومصر كأمثلة بارزة وصارخة.

فشلت التنمية في أغلب الدول العربية، وبقيت رهينة للمؤسسات المالية الدولية التي تتدخل في قرارها الاقتصادي والسياسي، بل تتدخل حتى في تحديد برامجها التعليمية والاجتماعية. وبعد انتكاسات وخيبات متكررة -مع استثناءات قليلة جدا- هبت رياح الربيع العربي تحمل نسمات الديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فتولدت آمال بمستقبل أفضل.

لكن حصل الانكسار مرة أخرى في جل الدول التي هبت عليها تلك الرياح، وتحالفت قوى الردة عن الخيار الديمقراطي بالداخل، والتقت مصالحها مع مصالح الخارج وحولت الربيع لخريف صعب، فحصل انقلاب على إرادة الشعوب في أكثر من بلد، وكانت مصر قاطرة النكوص والردة عن الإختيار الشعبي، تلتها اليمن وليبيا حيث كان لتدخلات الخارج دور كبير في خلط الأوراق مما أتاح لتنظيات متشددة الفرصة لأن تزيد الطين بلة.

وفي العراق ماتزال سموم الغزو الأميركي له تفعل مفاعيلها وزاد الوضع سوء بعد الغزو الإيراني ودخول الطائفية و داعش على الخط، وبالجوار مايزال بالشعب السوري يسام أشد العذاب على مرأى ومسمع من العالم لأنه حلم بالتغيير والديمقراطية والتخلص من حكم الحزب الوحيد.

لهذه الخيبات والإنكسارات أسباب وعوامل متشابكة داخلية وخارجية، وغالبا مايتم تسليط الضوء على العوامل الخارجية وتهمل العوامل الداخلية مع أنها الأهم والأخطر وهي وجود حالة من القابلية لتلقي الخيبات والنكسات قياسا على المقولة الشهيرة للمفكر الجزائري مالك بن نبي- رحمه الله- القابلية للاستعمار.

وأهم عامل داخلي لذلك عدم خوض العالم العربي والإسلامي لمعركة كبيرة، معركة محو الأمية وخلق مجتمع المعرفة، وإعادة تشكيل وبناء العقل العربي والمسلم بطريقة سوية وسليمة. فكيف يمكن لعالم أن يحقق تنمية اجتماعية وسياسية واقتصادية وحياة ديمقراطية، ولا تزال الأمية «الألفبائية» أي أمية القراءة والكتابة تضرب أطنابها فيه ونحن في القرن الواحد والعشرين وعصر ما بعد العولمة.

نعم ما زالت الأمية في العالم العربي والإسلامي معششة في 40 بالمئة من الذكور و60 بالمئة من الإناث وفق بيان أصدرته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية بتاريخ 8 سبتمبر 2014، واعترفت المنظمة بفشل العالم الإسلامي في محو الأمية وتأثير ذلك على تحقيق النهضة والتنمية، ولم يتحسن الوضع عام 2015 ولا في العام الجاري.

الإعلام الموجه والإعلام المأجور يستثمر ويستغل الأمية وغياب الوعي السياسي في تزوير الحقائق.

لقد فشلت حكومات ما بعد الاستقلال في أغلب دول العالم العربي والإسلامي (الاستثناءات قليلة جدا) في خوض معركة محو الأمية وعجزت عن وضع استراتيجية حقيقية لذلك، فما بالنا بمحو الأمية الدينية والسياسية والفكرية…

وأكثر من ذلك هناك أحزاب سياسية استثمرت في الأمية انتخابيا وسياسيا، و خافت وما تزال تخاف من ارتفاع نسبة التعلم لأن ذلك يرفع مستوى الوعي والرقي بالتفكير ويشكل تهديدا لمصالحها ويضعها تحت المحاسبة والمراقبة.

كما أن الإعلام الموجه والإعلام المأجور يستثمر ويستغل الأمية وغياب الوعي السياسي في تزوير الحقائق وتجييش شرائح واسعة لصالح الثورة المضادة والحالة المصرية أوضح وأكبر مثال على ذلك.

إن التأخر الدرامي والكارثي في خوض معركة حقيقية ضد الأمية "الألفبائية" والأمية السياسية والدينية والفكرية في زمن يتحدث العالم عن محاربة الأمية الرقمية، كلف العالم العربي والإسلامي خسائر فادحة على المستوى الحضاري والاقتصادي والاجتماعي والمعرفي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.