سلامٌ على تلكَ الدفاترِ إنَّ لـي إليها غراما فَوق كُل غرامِ
سلامٌ عَليها إن حَييتُ وإن أمت فهذا وداع والدموعُ دوامي
يقولُ الإمام ابن الجوزي – رحمه الله- مصورا حَاله والكتب : وإني أخبر عن حالي : ما أشبع من مطالعة الكتب ، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز .
علمتني الكتب أن أكون منصفا في كل شأن وألا أغتر بجمال السطور المكتحلة زينة بتنميق كاتبها. |
وإني إذ أقرأ هذا أنظر حول نفسي لأقول :
ما أعظمكَ ربي وأكرمك ، فكما علمت بالقلم علمت بالوحي والإرشاد لهدايتك، وإن أعظم معلم – بعد هذا القلم ومداده – هذه الكُتب التي تملأ الدنيا نورا، والنفوس حبورا، والأجواء بشرا وسرورا، ما إن تطأ رياضها حتى يأخذَ جمالها وطيبها وعبق هوائها بمجامع قلبكَ وفؤادك ، فتنبتك من عدم الشعور بالوجود، وتعلمك في كل شيء ما لم تعلم !.
وكذلك علمتني..علمتني الكتب من أنا ؟ وعرفتني بنفسي من أكون ؟، علمتني أنها لا تنقاد لكل مار بجوارها، على رصيف يعلوها غبار المارة أو داخل خزانة مصففة في قصر مرصع، بقدر ما تنقاد لروح وجدت فيها الأنس والأنيس واحتضنتها بحب في الشتاء وحر المصيف، علمتني أن أعيش كما أنا، وألا أهتم برأي الأنا الآخر في، ما دمت أؤمن بقناعاتي ومبادئي وأمارسها في إطار معقلن بتعقلني، علمتني ألا أستجدي الاهتمام من أحد مهما كان، وأن أكتفي بتعليل روحي لوحدتها وإن أنهكتها متاعب الزمان، علمتني أن أحب ، وألا أضع مقياسا لأحبـك .
علمتني أن أكون منصفا في كل شأن وألا أغتر بجمال السطور المكتحلة زينة بتنميق كاتبها، أو أستخف برداءة حرف ينزوي في زاويتها تعبا، علمتني أن أبوح بما يخالجني وألا أكتم ذلك وأضمره
علمتني أن أعيش حرا بمفهوم حريتي لا بحرية الآخر، وأن أصنع لنفسي مختبر تحليل وتدقيق أقرأ فيه الكتاب كما أقرأ لا كما يريدون أن أقرأ .
لا طِيب أرقى من عبق صفحات معتّقة في خزانة هادئة، فتلك الجنة يا صاح، وإن أردت لها سبيلا. |
علمتني كيف أحمل هذا القلم الذي أخط به هذه المقالة الآن، وكيف أسلّي به عني وعن كل مكلوم تتقاذفه جراح الهموم والأحزان، لأجعل قلمي فداه وفدى كل يتيم مضطهد، علمتني الكتب أن أكون أنا لا بكر ولا عمرو ..
فاقرأ لتلمس فيك الروح والوجدان .. وأرفل في جنان الكتب، وأرتع في رياضها بين زهرها وربيعها وسهولها ووديانها، وأستنشق عبيرها في صباحك ومسائك وغدوك ورواحك، فما على الأرض هواء أنقى كأكسجين الكتب، ولا طيب أرقى من عبق صفحات معتقة في خزانة هادئة، فتلك الجنة يا صاح، وإن أردت لها سبيلا في بيتك فيكفي أن تتخذ فيه مكتبة وتدلف لجنانها في أي وقت .
وأصدقك أنها ستغير فيك ما لم تغيره صروف الدهر ونوائبه، وستعيد لك من البريق ما كنت تفتقده، وستدلك على أناك، لتلمس روحك في عناق أزلي حان .
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.