شعار قسم مدونات

عن شرق المتوسط

BLOGS - ASDF
غفوت لساعات قليلة، ثم استيقظت فجأة..أعددت قهوتي وحملت الكتاب إلى سطح المنزل، الجميع نائمون.
 

فتحت الكتاب في الصفحة 220 تقريبا.. "شرق المتوسط" هكذا لمعت عيني وصرخت بدهشة الأطفال، كنت برفقة حبيبي وكان يوما جميلا، ذهبنا للمكتبة معا أرادني أن أختار معه هدية لابنة أخيه.. التفت فرأى الكتاب، عرض علي أن يشتريه لي ورفضت بدءا ثم استسلمت أمام إصراره..
بدأت قراءة "شرق المتوسط" قبل أن أسافر إلى الدوحة.

المساجين القدامى هم سجّانو اليوم ليتك رأيتهم على موائد الإفطار ووراءهم مساجين آخرون يملؤون الأقفاص كقردة حديقة الحيوان.

بدأت بالمقدمة كعادتي دائما.. لكن الناشر كان غبيا وتقديمه عبارة عن تلخيص لأحداث الكتاب.. لم أكمل التقديم.. بدأت قراءة الفصول بملل.. ثم سحبت كتابا آخر.. ربما أردت أن أنسى التقديم والأحداث.. أكره أن يسلبني أحدهم متعة اكتشاف أحداث كتاب أو فيلم.. ناشر غبي.
 

في تونس قرأت 40 فكرة فلسفية ولخصتها وتركت عشرة أفكار من كتاب "خمسون فكرة فلسفية" وفي الدوحة قرأت " مذكراتي في الإعلام" للأستاذ عارف حجاوي، كان كتيبا شيقا اعتبرته" أستاذ عارف في كتاب" أضحكني كثيرا.. وعلى العشاء سألني أستاذ عارف ماذا تقرئين؟ أجبت "مؤخرا شرق المتوسط".
 

قال " بعد أن قرأته لم أقرأ رواية لمدة عشر سنوات -على ما أذكر – "رددت باقتضاب" لكنني لم أعد أحب الروايات، أنا الآن أقرأ لعلي شريعتي.."
 

أخرجني ذكر شريعتي من مأزق الكتاب الذي لم أكلمه..
اليوم أكملت آخر عشرين صفحة وعرفت لماذا قال أستاذ عارف ما قاله..
أكملته لأنني أعاني من عادة غريبة "لا أستطيع أن أبدأ كتابا دون أن أكمله.." يقتلني تعذيب الضمير.
 

أما شرق المتوسط، فرواية كتبت لغير زمن بطريقة مميزة حيث تداول رجب بطل الرواية وأخته أنيسة على قص تفاصيل تعذيبه في السجن.. رواية تصنف ضمن أدب السجون ولن أكون غبية كالناشر وأحرمكم.
 

متعة اكتشاف الأحداث بأنفسكم، عبد الرحمن منيف كتب الرواية في زمن الاستبداد والديكتاتورية والسجون التي تعج بالمعارضين.. ونحن اليوم نعيش في زمن آخر.. زمن سقوط الأنظمة.
 

الديكتاتورية تباعا كقطع الدومينو.. هنا في شرق المتوسط.. كما يسميه عبد الرحمن منيف.. ال "هناك الممتد من شرق المتوسط إلى عمق الصحراء" لم يكن الكاتب يسمي مكانا بعينه، كان ال"هناك" هو المكان، شرق المتوسط، حيث رائحة العفن والموت والقيح والسجون.

اليوم يا عبد الرحمن منيف شرق المتوسط مكان أكثر جنونا.. أحزمة ناسفة، مطارات ومدن تغرق في دماء الأبرياء.. اليوم يفجرون المصلين عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

نحن نعيش في زمن آخر.. حيث لفظت السجون مساجينها.. لكن الحرية ليست كما اعتقدت وحلمت يا "عبد الرحمن منيف" الحرية هنا ملطخة بالدم والعار والهزيمة، فتحت أبواب السجون المغلقة ليصبح "هناك" سجنا كبيرا.. سقط الدكتاتور تلو الدكتاتور.. لكن ليتك تعلم أن الدكتاتور كان يغطي جهلنا وبشاعتنا.
 

الدكتاتور الكبير الأوحد كان أرحم من كل هؤلاء الذين انفلتوا فجأة.. خرجوا من تحت ثيابنا.. والمساجين القدامى هم سجّانو اليوم ليتك رأيتهم على موائد الإفطار ووراءهم مساجين آخرون يملؤون الأقفاص كقردة حديقة الحيوان.
 

شرق المتوسط كتبت لغير زمان.. ربما لزمن أفضل لزمن الحلم.. اليوم يا عبد الرحمن منيف شرق المتوسط مكان أكثر جنونا.. أحزمة ناسفة، مطارات ومدن تغرق في دماء الأبرياء.. اليوم يفجرون المصلين عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، الأنقاض أو يخير الأطفال بين الموت تحت والموت غرقا
لو كنت حيا يا الرحمان لكتبت رواية مختلفة أكثر إيلاما.. لكن لعلك ستحتفظ بجملة استوقفني عمقها وصدقها، عذاب الكلمة أقسى من أن يتحمله إنسان بمفرده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.