استقبل العاملون والمهتمون بالعمل الخيري في المملكة العربية السعودية الإعلان عن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالكثير من التفاؤل، لأن النظام الجديد سيساهم في تعزيز مكانة العمل الخيري وتطوير مشاركته في التنمية.
ولعل المبادرة التي أعلنت عنها وزارة العمل والتنمية الإجتماعية للتحول من الرعوية إلى تنموية تمثل الخطوة الأولى في الطريق الصحيح والتي تحتاج الى خارطة عملية ودعم حقيقي للجمعيات الخيرية حتى تتمكن من التكيف مع التوجه وصياغة برامجها وخططها وفقا لرؤية طموحة مشتركة تهدف الى المساهمة في التنمية بأبعادها الإجتماعية والفكرية والاقتصادية والبيئية وتحويل المستفيدين من اليد السفلى الى اليد العليا أومن متلقين للدعم الى داعمين ومساهمين بفعالية في تنمية المجتمع .
لا يوجد أرقام دقيقة عن حجم التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية لدينا وهذا يعتبر جزءا من التحدي لترسيخ مبدأ الشفافية. |
لكن واقع الجمعيات والعمل الخيري يواجه تحديات صعبة منها ماهو داخلي يتعلق بالتنظيم المؤسسي ومنها ماهو خارجي يتعلق بثقافة المجتمع كمتبرعين أو مستفيدين ويبرز أهم تحدي داخلي في استقطاب الكفاءات والمحافظة عليها نظرا لعدم إمكانية منافسة فرص العمل في القطاعين الحكومي والخاص من جهة ونظرة المجتمع تجاه العمل في الجهات الخيرية بانه ممر وليس مقر من جهة أخرى.
وبنظرة مقارنة مع القطاع غير الربحي في الولايات المتحدة الأمريكية نجد واقعا مختلفا تماما لماهو عليه الحال لدينا حيث بلغ عدد المنظمات الأمريكية غير الربحية حتى العام 2012 مليونا وخمسمائة ألف منظمة يعمل فيها أكثر من عشرة ملايين موظف يمثلون العشر من القوى العاملة منها 23 ألف جمعية للعناية بالحيوان ويأتي القطاع غير الربحي في المرتبة الثالثة بعد كل من قطاعي التجزئة والصناعة في عدد الموظفين في حين بلغ عدد الجمعيات والمؤسسات الاهلية العاملة في المملكة 709 جمعية يعمل فيها حوالي 23 ألف موظف مابين دوام كامل وجزئي بمعدل أقل من نصف بالمائة من إجمالي الموظفين السعوديين حتى بداية العام الحالي 2016.
يوجد جمعية أو مؤسسة خيرية تخدم كل 200 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية بينما تبلغ النسبة عندنا جمعية لكل 40 ألف شخص باعتبار أن المجتمع بجميع مكوناته هم عملاء المنظمات غير الربحية مستفيدين أو مانحين، ويبلغ إجمالي التبرعات للجهات الخيرية في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 300 مليار دولار أكثر من تريليون ريال سعودي خلال العام الواحد وهو ما يفوق ميزانية المملكة كاملة خلال العام الماضي، ولايوجد أرقام دقيقة عن حجم التبرعات التي تتلقاها الجمعيات الخيرية لدينا وهذا يعتبر جزء من التحدي لترسيخ مبدأ الشفافية ومشاركة البيانات للعموم.
تتركز الجمعيات الخيرية في المملكة في المناطق الثلاث الرئيسة الرياض ومكة المكرمة والشرقية بنسبة 48بالمائة وينشط 68 بالمائة منها في مجال البر في حين قد تكون الحاجة لوجود جمعيات خيرية في مناطق أكثر احتياجا كجازان أو الجوف مثلا حيث يعتبر عدد الجمعيات فيهما هو الأقل على مستوى مناطق المملكة، كما يأتي دور نشر الوعي بثقافة العمل الخيري بمفهومه العام وهو خدمة المجتمع وتقديم النفع العام لجميع الشرائح والطبقات مما يتيح المجال للكثير من الشباب والشابات للإنخراط في المجالات التي تناسبهم تطوعا وعملا .
يوجد عجز كبير في الجمعيات المتخصصة التي تستهدف شريحة الشباب وتساهم في حل مشكلاتهم وتشركهم في العمل وصناعة القرار. |
هناك فرصة كبيرة لأن يقوم العمل الخيري أو القطاع الثالث بدور مهم وفعال في معالجة مشكلة البطالة وإيجاد فرص وظيفية جيدة خصوصا للمرأة ولعل من حسنات النظام الجديد أنه يسر عملية إنشاء جمعية خيرية جديدة وفتح المجال للمؤسسات والشركات لإنشاء جمعيات تابعة لها، وهو ما سيسهم بلا شك في ازدياد أعداد الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية ويخلق فرصا وظيفية كثيرة ومتنوعة تناسب فئات من طالبي العمل عموما والفتيات خصوصا.
حيث يمكن أن يكون مقر الجمعية في المدن أوالقرى والأرياف متى ما راعى المؤسسون الجدد الحاجة للعمل بناء على دراسة الواقع والإحتياج لنشاط الجمعية الخيري وتحديد مجال عملها بما يحقق النفع الأكبر للمجتمع المحلي.
كما أنه يوجد عجز كبير في الجمعيات المتخصصة التي تستهدف شريحة الشباب وتساهم في حل مشكلاتهم وتشركهم في العمل وصناعة القرار وهو مجال لكثير من المبادرات التي تحتاج الى حاضنة تتبناها وتوجهها في الإتجاه الصحيح نحو دور تنموي وطني يستثمر طاقات الشباب بما ينفعهم ويخدم مجتمعهم ويسهم في دفع عجلة التنمية في كافة المجالات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.