شعار قسم مدونات

المخرج الذي لم يصنع فيلما

blogs - photograph
يا صنعة المشغوفين بك، الهائمين في ثنايا مشهدك، يا اعتصارات العبارة، وإنهاكات النص، و تفتت الفكرة، أين تاريخ من داروا دورتهم الأولى على جهاز يدوي، أمام جمهور يعيش التجربة الأولى، في دار عرض أولى بيد المخرج الأول؟ هل وعَوا زماناً حاضراً أتخم بالصنعة و الصانعين؟ هل شاهدوا في ساحاتهم رجفة الوقفة الأولى أم بريستيج الطامحين الطامعين؟ هل استدعوا الألقاب أم استحقوا الاسم؟ أم أن الشاشة ساحة الجميع و ماء الغطاس المكذبة والسينما ما زالت الميدان؟

إياك أن يحملك اللقب على لحاقه والوصول إليه، فتغدو أقل من المسمى و تخسر الاسم أيها السينمائي

تغص أيادي الشباب الطموح بماكينات حديثة أطلق عليها كاميرات، بعدما كانت ملكية نادرة في يد المئة منهم قبل عَقدٍ من الزمان. وتتلقف الأيادي المسعورة على أجهزة الحاسوب مئات برامج المونتاج، ليقص المشهد على المشهد، في حركة يتقنها كل تقني ولا يعرفها إلا الإحساس، فهل درت أمهات المونتاج أيام المقص الحقيقي، و لفائف السينما الباهظة الثمن، أن خطأها الذي كان مقتلاً أصبح تراجعاً محمود العواقب بضغتين من الأزرار، وتحفظ المواد دون خدش في اللفيفة أو الرول على قول أهل العجم.

هل علمت أنها لم تعد سيدة الصنعة الأنثوية، لدقة القص لديها،  وأن ما يسمى فيلماً اليوم، أو صانع فيلم ، يُسيِّر فيلمك بكل أرضٍ وينتجه على الأرض الصغيرُ.

ماذا نقول لسبيلبرغ ، لحظة اتخذ من كابينة مهجورة في هوليوود بيتاً له، قضى من زمانه فيها مراقباً ومساعد مونتاج غير مدفوع الثمن ، بعد رفضه في جامعات السينما؟ هل نجيبه أن دورة باذخة مدفوعة الثمن، كانت ستضعك في مصاف العارفين، و تلقي عنك تعب الخبرة و السنين، يا باني العهد الجديد في هوليوود. هل يعلم أنهم يتسمون بها، انتساب القبائل الشاردة للقبيلة الأم. و شتان بين الباني و المنتسب.

عرف في تاريخ الموطآت " جمع موطأ" أربعون منها ، و لم يبق إلا موطأ مالك ، فهل كان يكفي أن يسميه المؤلفون موطأً لينجو أم أن الإنتاج في موطأ الإمام أكل من فكره و تغذى على نصبه و أودعه الله ليبقى ، فأصبح يشار له به؟ فمن الذي يعرف في عالم الصناعة المكتظة بصانعي أفلامها؟ و أين هي الافلام التي تنفع الناس و تمكث في الوعي؟ و أما الشهادات و الدورات و الشعور المرسلة فتذهب هباء و لايكات . و أما الألقاب ، فهي صفة الإنسان و تابعه ، هو الذي يصنعها و يصبغ عليها روحه و عمله ، فإياك أن يحملك اللقب على لحاقه والوصول إليه ، فتغدو أقل من المسمى و تخسر الاسم أيها السينمائي.

الفيلم هو ما يصنعك يا صانع الأفلام ويصنفك كمخرج حقيقي، و يقدمك كمدرسة سينمائية، أيها المخرج الذي لم تصنع فيلما

في تجربته الفريدة "سايكو" psycho رهن سيد التشويق بيته ، و ما يملك من عقار ، و استعدى "ميل جيبسون" في فيلم "آلام المسيح" أرباب الصناعة الهوليودية ، كل ذلك في سبيل فكرة رادوت ليلهما و أقضت مضجعيهما ، فماذا صنعت يا صانع الأفلام الفذ ليلة أن اشتد البأس بأمة من شرقها لغربها! و ساعة اصطدمت بواقع الظلم و يوم أن غطى الدم واقعنا من رأس أخباره حتى أخمص صُحُفه ، أم أنك آثرت طرق المال في التصوير و الانتاج ، و فرحت بصورتين خلف الكواليس و اسمٍ يتقافز عبر فضائيات المواسم .

الفيلم أنت و أنا و نحن، هو صرخة الضمير، و هوس متلبس، و انتحار غير مدروس، و بصقة في وجه الوجع ، هو التخلي عن كل شيء مقابل دهشة جمهور، و دمعة متعظ، وضحكة متسرٍ، هو ارتجافك خلف كواليس العرض الأول، و بكاؤك طوال ليل الإعجاب والانتقاد، هو استعداء لا استرضاء ، هو مقاتلة الناطور لا جني العنب، هو أصولية متشبثة بالفكرة وصوفية شاطحة بالمعنى. الفيلم هو ما يصنعك يا صانع الأفلام و يصنفك كمخرج حقيقي، و يقدمك كمدرسة سينمائية، أيها المخرج الذي لم تصنع فيلما.