قتل الآلاف من اللبنانين ومثلهم جرحى، وأضعافهم هاجروا وباتت بيروت بين شرقية وغربية تنام وتصحو على صوت القذائف والرصاص ورائحة الموت، فما يحصل الآن في سوريا هو تحصيل حاصل لمأساة عاشها اللبنانيون لسنين طويلة.. فكل القوى العظمى تدخلت في لبنان لكي تجد لها حلول إيجابية يوقف نزيف الحرب لكن فشلت كل المحاولات بين التفجيرات والاغتيالات والاختطاف للسياسيين والدبلوماسيين.
ما حدث في لبنان يحدث الآن في سوريا فكل المقومات والعوامل هي ذاتها استجمعت قواها وكررت ذات المشهد الشنيع والضحية هو الشعب السوري |
وفي خضم هذه المهزلة الكبرى التي تسمى بالحرب كان الشعب السوري أيضا ضحية للافعال الشنيعة التي ارتكبها البعثيون السوريون بقيادة الأسد الأب فلم يكن في الحسبان أن ما يحدث في لبنان يمكن أن يحدث في سوريا يوما ما، فالمشهد الحالي في سوريا هو نسخة طبق الأصل من المشهد اللبناني، هنا تكمن مهمة الباحث والمهتم والمتقصي للتاريخ في إيجاد الصلة بين ما حدث هناك وما يحدث هنا.
الحضارة رغم حملها لصفات معنوية باعتبارها رمز لمن يعيشون مرحلة من مراحلها لكنها تقوم بدورها وتربط الأحداث فيما بينها، وبالتالي تصنع شيئا هو ليس بالجديد بل حدث في مرحلة أخرى من الحضارة والحروب والمجازر والجرائم التي ارتكبت على مر العصور خير دليل على ذلك حيث أن المنطق يقول أن هكذا حروب لها صلات خفية فيما بينها لا يدركها القارىء العادي أو المتصفح للاخبار في الجرائد بشكل عابر بل تأتي من خلال تقصي الباحث والمهتم عن كل ما كتب وتم توثيقه عن مرحلة ما من الحضارة.
الجهات المتحاربة في سوريا كونت تحالفات وجبهات وحملت ذات الأسماء الثورية التي حملتها حركات وجبهات الحرب اللبنانية، الأسماء تختلف لكن يوجد جسر يربط معانيها بمصطلح الثورية والمدن التي حصدتها آلة الحرب دمرت عن بكرة أبيها وأصبحت الهجرة تهز أعماق الحضارة الأوروبية.
وإذا ما كان القتل على الهوية الطائفية سمة حرب لبنان ففي سوريا القتل على الهوية السياسية، فالوضع المتأزم قبل الثورة السورية كان يحل بظلاله لاندلاع حرب في سوريا وبما أن أخطاء النظام السوري البعثي قد طال دول الجوار وغيرها وفي الداخل وبين أفراد المجتمع السوري فهذا كان كافيا لكي تندلع انتفاضة ضد النظام الحاكم في سوريا.
باختصار ودون الدخول في تفاصيل الأحداث والتواريخ فما حدث في لبنان يحدث الآن في سوريا فكل المقومات والعوامل هي ذاتها استجمعت قواها وكررت ذات المشهد الشنيع والضحية هو الشعب السوري الذي دفع فاتورة الحرب الأهلية اللبنانية وبأضعاف قيمتها الحقيقية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.