شعار قسم مدونات

لا أقتل ما تقتلون ولا أنتم قاتلون ما أقتل!

blogs - kill

أيعقل أن يُقتل الإنسان وهو يكتب؟ أيعقل أن يقتله الغير إن يفعل؟ ما كل هذا الهرج بين حبر أسود وآخر أحمر؟
اعذروني سأكتب من زاوية ما تعلمت من ديني، ما تعلمت فقط!
 
تعلمت من صداقتي للألم، عذراً للقلم، أن التدوين بكل ألوانه انحياز! فحتى وقوفي في الوسط ليس إلا انحيازاً لعدم الانحياز، ولأني تعلمت ذلك علمت أن الانحياز وعدمه ليسا الوسيلة ولا الغاية، بل الوسيلة أن أناقش الأفكار في ود، والغاية أن تكتمل الفكرة والود في أوُجه.
 

ليس للإنسان أن يتأله وهو يعالج قلماً مدوناً خالفه الرأي، فإذا كان الله -وهو من هو- قد اصطنع لنفسه موسى وشد أزره بأخيه هارون فقط ليذهبا بالقول اللين إلى فرعون.

وحيث أن الرأي مهما كان منبعه ومصبه ليس إلا حواراً مع الآخر في جوهره، فقد أخبرني معلمي في المدرسة أن الله قبل أن يَخلق الإنسان علمنا أدب الحوار، فعرض -مستشيراً- على الملائكة موضوع خلق آدم، ولأن هذه الأخيرة كانت تعلم أنها تحاور رحماناً رحيماً، راحت تحاول طرح رأيها بطريقة أشبه بتأنيب المحب ((أتجعلُ فيها من يفسدُ فيها ويسفكُ الدماء))، ليأتي الجواب في أسمى درجات الرقي والاحترام، الإجابة لم تكن حديثاً فقط بل اختباراً.
 

عرض الأسماء عليهم ثم على آدم ليؤكد أن فكرة الخلق هي الأصح، ((وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون))، ها قد خرج الحوار بالفكرة والود معاً.

ليس للإنسان أن يتأله وهو يعالج قلماً مدوناً خالفه الرأي، فإذا كان الله -وهو من هو- قد اصطنع لنفسه موسى وشد أزره بأخيه هارون فقط ليذهبا بالقول اللين إلى فرعون -وهو من هو- فكيف لي أن أتحاور مع الآخر مسدساً ودماً؟.
 

واجبي هنا أن لا أرد إلا بقدر ما أملك من المودة والاحترام، ولا أناقش إلا بالطريقة التي تدعو إلى الألفة والالتئام. واجبي أن أصنع من ردي الحياة في لين لا الموت بقسوة.

 

ويا "أنا" ستقرأ الكثير ممن يخالفك، ستقرأ عن مخالف يخالفك تماماً، ومخالف يكمل فكرتك ولا يعارضك، فتنبه أن تبدأ القراءة وقد صنعت حكماً مسبقاً

في جهة من جهات الرأي التي تقابلني، وكم هي كثيرة ومتنوعة، قد يصادف أن يقتل الرجل بقلمه!، يحاول عن حسن نية أو سوء قصد أن "ينال" من معتقدي، من نظرتي السياسية أو الاجتماعية أو أي فكرة في مجال آخر، يسيء الوسيلة والغاية معاً أحياناً، ويناوب بينهما أحياناً أخرى، يسيء لدرجة أن أنتفض، لكن أليس لانتفاضي هذا شروطاً وواجبات هنا؟ بلى.
 

جزاؤه ليس دائماً من جنس عمله، فبعض التصلب الفكري لا يداوى إلا بلين فكري مقابل، واللين الفكري هنا سيكون خيراً كله، حتى وإن لم يستطع أن يصوب فكرة المسيء، فعلى الأقل يربي وسيلتي في التغيير، ويصنع بدل المسيئين مسيئاً واحداً فقط. 

أيها العابثون بما يعتقد الغير كفى، نريد فكر التآلف والتسامح لا عبث التنافر والتناطح. ويا أيها العابثون بدين الله نزوة لا تقوى، الله أعظم من أن ينيبك عنه، فقد أناب من أجبرهم على القول اللين لمن كان له نداً.

ويا "أنا" ستقرأ الكثير ممن يخالفك، ستقرأ عن مخالف يخالفك تماماً، ومخالف يكمل فكرتك ولا يعارضك -لو تمعنت-، ومخالف يطور فكرتك، فتنبه أن تبدأ القراءة وقد صنعت حكماً مسبقاً.

ويا "أنا" الذي يكتب! سادس الأصابع في يدك سينحاز من دون شك وهو يعطي رأياً، مجرد رأي، وسيقتل بالتأكيد وهو يكتب هنا، فلا تجعله ينحاز إلا إلى الحب ولا تتركه يقتل إلا الكره والحقد والتطرف.. ولكل ظلامي -ظلمة القلم والمسدس معاً- أقول: "لا أقتل ما تقتلون ولا أنتم قاتلون ما أقتل لكم دينكم ولي دين" !.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.