شعار قسم مدونات

جيل المستقبل.. أفراد من البلاستيك !

blogs - children

منذُ الصِّغر،  يكبرُ الفردُ مِنّا على أنَّ البُكاءَ ضُعف،  والابتِسامةُ سذاجة، " والضحكُ من غيرِ سبب من قلة الأدب "، كما أن الكشرة شرطٌ لاكتمالِ الرجولة،  والصمتُ المُطبِقُ أبداً من علاماتِ الأُنوثةِ الطاغية..

الوجوهُ الصفراءُ والقلوبُ المُلونة تملأُ الشاشات .. وكأنَ لا شيءَ منها يحملُ شعوراً حقيقياً. 

رَفيقُنا " فرد "،، كبُرَ وهو يحملُ في ذِهنهِ آلافاً من مُفرداتٍ لا يعرفُها،  يرافقهُ فضولٌ لاسكتشافِها،  مع خوفهِ من عُرفٍ تربّى عليهِ، وسيَربى أولادهُ عليهِ أيضاً .. فهذا ما وجدوا عليهِ أجدادهم.

استجمعَ " فردٌ " قواه،  وبدأ رحلتهُ في اكتشافِ " العالم "،  ليتفاجئ بجهازٍ لوحي مليءٍ بوجوهٍ صفراء بأوضاعٍ عدة ..هذا الوجهُ الباكي يُذكرهُ بنفسهِ حينَ توفيَ والدُه،  ونهرتهُ أمهُ قائلةً – والدمعُ مُحتجزٌ في عينيها – أنه رَجُلُ البيت،  و الرجلُ لا يبكي ..

أما المُتفجرُ من مُقلتيهِ قلبانِ فيرى فيهِ نفسهُ حينَ دقَ قلبُه للمرةِ الأولى " لها "،  ولكنهُ أخذاً بنصيحةِ صديقه لم يُبدِ لها أيَّ شُعور،  نظراً لأن الفتياتِ يُعجبنَ بالشابِّ الثقيل على ذمةِ صديقه .. وهذا المشمئزُّ عادَ بهِ إلى يومِ خرجَ والعائلة لتناولِ الغداء، في الحقيقة،  كان الطَّعمُ مُقززاً لكنهُ كما البقية،  التزموا بذاتِ التَّعابيرِ الدّالةَ على اللاشيء .

هُنا أيقونةٌ زرقاء،  لَمسها بِشراهة : ماذا تشعُر،  بماذا تُفكِّر،  وزرُ إعجابٍ لهُ عدةُ أوجه..
الوجوهُ الصفراءُ والقلوبُ المُلونة تملأُ الشاشات.. وكأنَ لا شيءَ منها يحملُ شعوراً حقيقياً!
غاصَ في تلكَ العوالِم،  وغابَ مع الزَّمنِ أقدسُ ما يملك.. باعَ شُعورهُ بوجهٍ ثمنهُ بَخس!

" فرد " ، يتفنن في إرسالِ باقاتِ الورودِ لزوجتهِ من أيقونةٍ خَضراء،  وهيَ تُقسمُ أنهُ من عامٍ مضى لم تتحرك شِفاهُه!،  ولا يفترُ يُخبرُ ابنهُ عن إعجابهِ بهِ وافتخارِه،  لكنهُ ما فكَّر يوماً باحتِضانهِ حقيقةً!

كُفُّوا عن إنجابِ المزيدِ من أشباهِ " فرد " البلاستيكي ..الفائِضِ شعورُه في الوهمِ ، الخالٍ في الحقيقة..

يبتسمُ لهذا ويبكي ضاحكاً مع ذاك،  ولما نظرَ للمرآةِ – مُصادفةً – وجدَ نفسهُ كدُميةٍ بلاستيكيةٍ كالتي تُستخدمُ لعرضِ الملابِس كانت رُعبهُ في الصِّغَر، بلا أيِّ ملامحٍ أو تعبيرات.

أرجوكم  كُفّوا عن انتهاكِ قداسةِ المشاعرِ وتلويثِ طُهرِها بهذهِ الرُّموزِ الفارغَة، كُفُّوا عن إعطاء الحريةِ المُطلقة لتلكَ المواقع بالتحكم فيكم،  ماذا تأكلون، ما مزاجكم الآن،  ماذا تُحبون من الموسيقى وماذا تكرهونَ من المشروبات،  أين خرجتم اليوم وكيف كانت الحفلة.

كُفّوا عن استِبدالِ الذي هو أدنى من التواصلِ الوهمي،  بتواصلٌ حقيقيٍّ مُعبرٍ هو خيرٌ لكم ..احزَنوا حقاً، ابتسموا حقاً ، اشمئزّوا حقاً، اكرهوا حقاً وأحِبوا حقاً ..أو على الأقل، كُفُّوا عن إنجابِ المزيدِ من أشباهِ " فرد " البلاستيكي..الفائِضِ شعورُه في الوهمِ ، الخالٍ في الحقيقة ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.