شعار قسم مدونات

هل خسر الإسلاميون معركة النقد؟!

blogs - rabaa

المتتبع للجدليات الفكرية الإسلامية المعاصرة يجد أنها قائمة في أكثر أطروحاتها على أساس متين من النقد الذاتي، وهو شيء جميل لو كان بطريقة غير الطريقة التي سلكها الإسلاميون. وحين أقول أن الجدل الفكري الحديث قائم على النقد فهذا ليس مدحا للإسلاميين بل هو معول قوي يهدم المشاريع الإسلامية في مختلف المجالات! 

ماذا أعني؟
ليس خافيا على الجميع أن الإسلاميين غابوا عن النقد فترة طويلة فكانت مناهجهم وأسسهم وطرقهم ومبادئهم لاتُمَسّ بنقد إطلاقا، وهذه إحدى الركائز التي ارتكز عليها الدكتورعبدالله النفيسي في كتابه" الحركة الإسلامية، ثغرات في الطريق".

البناء أولا ثم النقد بشكل يُقوّم هذا البناء ولا يهدمه، هذا ما نحتاجه كإسلاميين خاصة في وقت عصيب مثل هذا.

وبين أن النقد الذاتي عند الإسلاميين مصطلح جديد لم يعهدوا استعماله، ولكن الوضع الحالي يبشر بأنهم اتجهوا كثيرا للنقد سواء نقد المشاريع الإسلامية أو حتى المشاريع غير الإسلامية ، غير أن مشاركتهم في ساحة النقد الحديثة مشاركة غير منضبطة – في نظري – مما أدى إلى تشوه المشاريع الإسلامية كثيرا دون أن نرى نتيجة واضحة.

لا شك أن النقد مطلب أساسي لنجاح أي حزب أو مشروع لكن لا يجد المتتبع أي صعوبة في إدراك أمر مهم وهو أن انشغال الإسلاميين بالنقد أبعدهم عن البناء وتقديم أي مشروع ناضج، فكما أن البناء لا يستقيم دون نقد فكذلك النقد وحده لا يقدم شيئا وسيأتي اليوم الذي يبقى فيه الإسلاميون دون أي مشروع.

وهذا تماما مثل حصن غير سليم يستظل به الناس فيأتي الناقد والمصلح ليهدم هذا الحصن ثم لا يبني آخر بمبادئه ورؤيته، فتكون النتيجة بقاء الناس في العراء دون أي حصن يحتويهم وهذا ما يحصل اليوم مع الإسلاميين.

فبدل أن نقدم مشروعات للمجتمع المسلم ونحتوي الشباب، ورؤى وأطروحات بناءة في السياسة والاجتماع والاقتصاد أصبحنا فقط معول هدم للأحزاب الإسلامية الأخرى فأصبحت الأحزاب الإسلامية في ساحة معركة لا تنتهي.

حين تتبع القرآن الكريم ستجد أن البناء أكثر من الهدم، أليست دعوة الله إلى توحيده أكثر من هدم عبادة الأصنام؟ أليست دعوة الناس إلى التحلي بالأخلاق الحميدة أكثر بكثير من التحذير من الأخلاق السيئة؟ البناء أولا ثم النقد بشكل يُقوّم هذا البناء ولا يهدمه، هذا ما نحتاجه كإسلاميين خاصة في وقت عصيب مثل هذا.

يجب على الإسلاميين في الوقت الذي تتصارع فيه القوى العظمى أن يقدموا أيضا مشروعهم وأن ينتقلوا من خانة الدفاع إلى الهجوم ومن خانة التأثر إلى التأثير،  فالناس لا شك أنهم لا يعيشون دون مشروع فكري مهما كانت طبقتهم لذلك بمجرد أن ينحسر المشروع الإسلامي ستجد مشروعات أخرى تحتنضهم؛ ليبرالية أو حداثية أو غيرها وربما إلحادية.

العمل والبناء وحده سيحفظ للإسلاميين مكانتهم وكم أتمنى أن أرى مشروعات إسلامية ناضجة بناءة وهادفة. 

ملخص الكلام أنه يجب على الإسلاميين في هذه الفترة أن يلتفتوا نحو مخزونهم الفكري الواسع، وأن يوظفوه في تحقيق بناء إسلامي فكري واعٍ، وأن يتخلصوا من الشعاراتية الزائفة والدعاية المضللة، فرفع شعارات كـ "الإسلام هو الحل" و "الإسلام صالح لكل زمان مكان" لن يقدم أو يؤخر شيئا في الواقع الفكري لو لم ننتقل من مجرد الشعاراتية إلى العمل فعلا من أجل هذا الشعار.

العمل والبناء وحده سيحفظ للإسلاميين مكانتهم، وكم أتمنى أن أرى مشروعات إسلامية ناضجة بناءة وهادفة تُقدّم للشاب المسلم لتحتضنه وتحتويه، وفي مخزوننا الإسلامي ما يغنينا عن الاقتباس من حضارات أخرى.

بل لدينا من المخزون الفكري ما يمكننا من بعث حضارتنا من جديد دن أن نكون عبيدا لحضارات أخرى، ودون أن نهدم أيضا كل منجز حضاري من غير الإسلاميين، وإن كان صحيحا يجب أن ندرك أن الساحة اليوم لمن يقدم ويبني لا لمن يهدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.