بمناسبة انعقاد دورة جديدة للجمعية العام للأمم المتحدة، حيث يجتمع العديد من الرؤساء والمسؤولين كتظاهرة عالمية لا أحد يعرف ماذا ينتج عنها غير أن يجتمع الزعماء ويشغلوا العالم باجتماعهم، كلعبة كرة القدم دون أهداف.
اليوم بات السؤال ملحا على طبيعة الأمم المتحدة وما الذي تقدمه للعالم، بخلاف أنها " دبلوماسية جماعية " على شكل مؤتمرات شهيرة في أوروبا غيرت من توجهات الحرب فيها، كمؤتمر ويستفاليا ومؤتمر فيينا، أي أن فيها جوانب إيجابية بغض النظر عن أي شيء آخر.
النظام الدولي هو نظام دولي للدول الخمس الكبرى، التي أقل ما توصف به أنها تمارس الإرهاب في العالم. |
وبات السؤال ملحاً عن طبيعة النظام الدولي الذي يتحكم بالعالم مع افتضاح أمر كل القوى الكبرى في الشرق الأوسط، خاصة في العراق وسوريا، وتبيان أن العالم الذي نعيش فيه بات أكثر وحشية من قبل مع كل هذا الكم من التكنولوجيا والقدرة على التدمير.
وكشفت القضية السورية عن أن النظام الدولي نظام "فاشي" فلم يعد بالإمكان تسمية النظام الدولي بصغية أنه نظام يدل على تطور البشرية، بل لا بد من تسميته باسم نظام دولي " فاشي".
والسبب سيطرة دول لديها تاريخ من الإرهاب والإجرام اللامحدود على هذا النظام، بحيث أصبح إرهابها وإجرامها قانونياً وشرعياً وتلقى التهم على الآخرين، وهنا يبدو النظام وكأنه اتفاق فيما بين هذه القوى على هذه التوجهات.
فالأميركيون مارسوا أبشع أنواع الإرهاب في أفغانستان والعراق، وتجاوزوا حتى النظام الدولي الذي يعتبرون الأقوى فيه، دون حسيب ولا رقيب ولا محاسب، وروسيا صاحبة التاريخ الدموي والعدواني على جيرانها واليوم على السوريين.
و ظهرت مؤخرا بوادر لاستعداد الصين العملاق الاقتصادي (دون حريات أو حقوق إنسان) للمشاركة في قتل السوريين، وفرنسا صاحبة التاريخ الدموي في الجزائر وغيرها، وبريطانيا التي تلوثت سمعتها وتاريخها بما مارسته من إرهاب في العراق وتدميره وتفتيته ودفع الشعب للاقتتال واللعب على الاختلافات والخلافات.
ليس الحديث هنا من أجل تبرير الضعف العميق الذي يعانيه العرب وغيرهم من الشعوب، لكنه الحديث عن ماهية ما يسمى النظام الدولي، وهو نظام دولي لأصاحبه ؛الدول الخمس الكبرى التي أقل ما توصف به أنها تمارس الإرهاب في العالم.
والأمم المتحدة ليست معرفة بل هي " أمم متحدة " لكي تأتمر بأمر تلك القوى الكبرى التي لا تسعى لصالح الإنسان في العالم بل تتاجر بدماء البشر، وتحاول دائماً صناعة الحروب واختلاق العداوات. وبهذا الشكل يمكن فهم القضية السورية، التي فضحت هذا النظام أخلاقياً وعرته، وباتت مشكلة القضية السورية ليست قضية حرية فحسب، بل في الحقيقة باتت قضية " نظام دولي فاشي ".
وبهذا يمكن فهم كيف يتم تعويم نظام فاشي مثل نظام الأسد الطائفي المافيوي الأقلية، وكيف تتم إبادة شعب كامل وتغيير ديمغرافيته أمام مرأى من النظام الدولي، أو بالأحرى بتواطئ منه، وما تقوم به الأمم المتحدة من جهود بهذا الإتجاه بات مكشوفا للجميع، فهي قادرة على المساهمة في التغيير الديمغرافي لكنها غير قادرة على إدخال مساعدات بسيطة لمن يحاصرهم نظام الأسد وحلفاؤه من الروس والإيرانيين.
من مصلحة شعوب العالم إذاً أن تسعى لتغيير هذا النظام الدولي " الفاشي "، والذي أصبح في الواقع العدو الأول لها |
هذا النظام الدولي الفاشي وجد ضالته في داعش كي يظهر أنه أقل فاشية منها، لكن كونه أقل فاشية لا يعني أنه أكثر أخلاقية، فالفاشية وإبادة الشعوب أمر ليس له مقياس. ثم إن ما دمرته أمريكا في العراق، مثلاً، يتجاوز كل ما فعلته داعش في أي وقت كان، إذا ما حسبنا الأمر بشكل مادي محسوس، وحدث ولا حرج عن روسيا وإرهابها في سورية ونظام الأسد وميليشيات إيران.
النظام الدولي تطور في آلياته وقوانينه ومؤسساته، لكنه لم يتطور في أخلاقياته، وبهذا الشكل يصبح نظاما أشد ضراوة وتوحشاً، والضحية هو الإنسان، الذي من المفروض أن النظام الدولي تأسس لكي يحفظه ويحقق السلام له ولكن ما حدث هو العكس.
وباتت شعوب كثيرة تحت رحمة هذا النظام الذي يسعى لإخضاعها لسطوته واستعبادها أو تدميرها، وهنا لا بد أن نذكر محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت مؤخراً في تركيا، فمن يخرج عن توجهات النظام الدولي سيحاول هذا الأخير بدوله المختلفة إخضاعه وإذلاله وتدميره.
ومن مصلحة شعوب العالم أن تسعى جاهدة لتغيير هذا النظام الدولي الفاشي، الذي أصبح في الواقع عدوها الأول والقضية السورية مثال حي على التعاون بين نظامين فاشيين، نظام دولي ونظام محلي، وأبناء هذا البلد يدفعون ثمن هذه الفاشية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.