شعار قسم مدونات

في دمشق حيث يرقص الفالس

blogs - syr
أدون، عن ماذا أدون، ماذا يدور في خلدي؟ لِمَ تخونني الكلمات وقد أمضيت في فنّ التدوين سنينا!
عن ماذا أكتب؟ عن الجمال؟ هل أكتب عن الحب؟ أم عن الوطن!.. يااه الوطن يا حورية لا تكفيه مدونة.. عن ماذا؟
ليس هناك ورق حتى كي أتمتع بصوته يتمزق على أعتاب المحاولة في ميدان نزال الأفكار.على أنغام الفالس، أردتها حديثا همسا بيني وبين هذه المدينة، لقد نسيت ملمس يديها الناعمتين، ها قد أثقلت تلك البشرة الكريستالية بغبار الحرب.. لكنك تبقين الأجمل والأحلى مهما ضربت في جمالك السنون والحروب. فلا العطور الباريسّية تغريني، ولا جمالِ فيينا ولا جنان اسطنبول. كم هي جميلة حين تنفخ تلك المعزوفات الروح في عروقك، فالموسيقى يا حورية لغة كل شيء بعيدا عن جنون الانسان، وبعيدا عن كل جهل هذا الكوكب ورحيل الزمان. حاولت وأنا أدون أن أكون في ذلك الزقاق حيث عطرها فقط، وقليل من الذكريات.
لنحكي بعضاً مما جرى.. في هذه البلاد لا شيء سوى جدران وخوف وقطع هشة من بشر صنعت من صوف غزلوها جميعا كما يريدون، كل يقف في طوابير ماء وزيت وكوبونات على أبواب الجمعيات الاستهلاكية، إنها طوابيرٌ من نار، من رعب، طوابير تنتظر أن تحيا، وأن لا تكون فقط أرقام في زاوية هذا الكون. سنين مضت والآن الصورة غير الصورة، كل شيء تمزق، غرزوا فينا خناجر قالوا لنا أنها من عسل، قالوا لنا أنتم أولا وأنتم أبطالا.. ولكنهم، اجتثونا من حيث نحن أتينا، لأول مرة أتعرف على الانسان الآخر بداخلي، أحدثه، أقول له الان أنت منفي لماذا وكيف ومتى؟ لا أدري، لم أدري سوى أني الان عنواني.. منفاي، ربمـا قد صرخت أو تمردت أو ردت أن أدون قليلا عن الحرية، لكن بلادي بلاد لا حبــر فيها.

ربمـا قد صرخت أو تمردت أو أردت أن أدون قليلا عن الحرية، لكن بلادي بلاد لا حبــر فيها.
لم نترك وراءنا حارات وبعض من قصص حب في تلك الأزقة، لم نتـرك دخان النرجيلــــة الذي كان يرافقنـــا ليحجب عنا منظر أننا مقهورون وأننا مسلوبون، لم نتـــرك رائحــة الخبــز في كل صبــاح، ولا أولئك من يقتاتون كي لا يموتوا، ولا أصوات مساجد و ا صيحات كنائس، لم نتـــرك أبطالا من رسوم متحركة فقط، تركنـــا أنفسنا يا حورية، و جئنا أجسادا ملامحها مرسومة من هموم.
إنها بضع كلمات و شعارات كانت كفيلة بقلب حياة شعب.. تتوالى السنون وما زلنا نبكي أكثر، وفي كل مرة ننتظر اللقاء نبتعد أكثــر، توالت السنون ونحن نشهد وطنا يحترق وطنا يتدمر، يذوب كقطعة سكر.. ما زالت أصوات الحروب و مشاهد الموت اليومي غير مألوفة، لم كل هذا الموت؟ لماذا تسير قوافل المهاجرين مخلفة بقايا وطن.
ما زال كل شيء إلى الآن غريبا، تعددت الوحوش لكن الموت واحد، فكل الطرق الان تؤدي إلى الألم، تتفنن البشرية في ابتداع الأزمات على ظهورنا، لم يعد يدرِ الشعب بأي قضية عليه أن يتحدث، و أي قضية لها الأولوية كنــا في أبسط حقوق الأرض كنا في الحـرية أما وقد بتنــا الان في قضية الانسانية، كم أعادونـــا للوراء، لقد بتنا نحتاج إلى أن ندرس من جديد أبجدية كيف تكون إنسانا ففي هذا العالم المُدَّمر، من الان عليك أن تعرف عن نفسك من جديد، و أن نعيد صياغة تعريف البشرية و من أول السطر أن نحدد العنوان من هؤلاء الذين يقتلون و يدمون و يحرقون و يشنقون ان كنا في مربع واحد فعني أنا سأغير المكان و ليهنئوا بحروبهم و همجيتهم فأنا لا أتقن فن الموت.
"في الثورات و قبل البداية يجب خلق الوطن في الانسان" حتى يدرك أين النهاية، متى نكون شعباً نقتسم الوجــع جميعاً و نرسم بريشنا علمــاً أن لا نكــون كل منا براية. فرقتنا الأمم بين مهجر بين معتقل و بين مشرد بلا بيت من جديد هذه الحكاية لم نستطع بالرغم من هذا أن نخلع عباءات ممزقة لم تستر قبح تفاصيلنا الطائفية و المناطقية و أهم فنوننا،الفساد و المحسوبية مازال ما يجمعهم يا جميلتي هو بضع ورقات تسمى جواز سفر، لم يعرفوا بعد ما معنى أن يكون هناك انتمــاء و أن الوطــن هو كل شيء هو الأرض وهو السماء.

ماذا تفعل الحرية من دون جمال، وماذا نقول للجمال إن لم نكن أحراراً!

خسرناه ياحورية مرتين لما هجرنـا و لما هجرناه فينــا، فهل بعد ما سبق، يمكــن أن نقــول أن لنــا وطن… لا بيت لنـا هنا ولا دفئ لنا هناك..على هذا وفنجان قهوة بالتأكيد من دون سكر كما هذه الدنيا فلا أحب تمازج ألوان الحياة الغير متناسق و أنا أتذكر ذلك الكرسي العتيق في المدينة القديمة حيث هناك يختصر التاريخ و العمر بضع لحظات أجدني أفكر في أن لا عمران في بلادي دون أن نخلع عباءات التقديس عن أية مفاهيم و أي موروثات لا تجعل الوطن هو الأول و الثاني و الثالث و حتى الأخير، بهذه الكلمات ربما يوماً يا وطني أجيب عن سؤالي، هل أراك ؟

تلك حكاية بدأت يا حورية لم تنته بعد، لكن تنتهي الان على أبوابك كل موسيقى العالم و تكونين أنت و ليلك و ذكرياتنا فقط، أجمل موسيقى تترد دائما، فماذا تفعل الحرية من دون جمال و ماذا نقول للجمال إن لم نكن أحرارا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.