شعار قسم مدونات

هل يتصوف الدب الروسي؟! ويصبح بوتين القطب الأعظم!

blog غروزني

جاء مؤتمر الشيشان قبل أسابيع في شكل اشتباك عقدي ولكن طغى عليه الطابع السياسي بشكل أكبر. لا أريد أن أتحدث حول ما دار في المؤتمر أو محتواه الذي بطح سؤالاً عن "من هم أهل السنة والجماعة؟!" فليس هذا وقته ولا زمانه ولم يخنهم التوفيق هنا فقط بل تعداه إلى مكانه المريب.

 إن أهل السنة ليس مسمى يمكن تقزيمه تحت مسميات صغيرة، أو يصنف في خانات ضيقة، أو لين يمكن تشكيله حسب الهوى، وهو لا يُنال بالتمني أو يحصل بالتحلي أو يمنح بالتراضي أو يؤخذ بالتوافق بل السنة واقع يعاش ومنهج تسلكة الجماعة المسلمة.

وأهل السنة لا يحملون عقائد باليه وباردة، وليس في جماعتهم من يصطف ضد الأمة في معاركها مع أهل الظلم والطغيان وأرباب الاستعباد و الاستبداد. وأهل السنة والجماعة – نسأل الله ان يجعلنا منهم- لا يحتاجون إلى تعريف ولا إلى من يعرف بهم لأنهم كالشمس في رابعة النهار، وكالقلادة الثمينة التي تتوسط عقِّد الإسلام المشرق، وهم غالب أهل القبلة إلا من شذَّ –ومن شذ شذ في النار– وهم معرفون منذ ألف سنة وأكثر.

فقد أُلًّفت في خصائصهم الكتب، ونُوقشت مميزاتهم على صفحات الرسائل العلمية، وبُحثت مناقبهم في المساجد والجامعات ودُور العلم بعيداً عن خروج الخصومة الفكرية عن إطارها الطبيعي. ولا يمكن لثلة يتقدمهم مفتي قد ولغ في دماء طاهرة وأعراض شريفة، أوشيخ قد وضع عمّة أزهرية على ناصية كاذبة خاطئة، أو لطاعن في السنة والصحابة الكرام وأئمة الإسلام، وآخر قد أمتلأت نفسة خرافة وتعصباً وحقداً أن يحدثنا عن السنة التي لم يعرف منها إلا البدعة وعن الجماعة التي لا يعرف منها إلا المستبدين والطغاة.

لم يكن التصوف أمراً طارئاً أو حديثاً على الشيشان، كما أنه لم يكن بارداً في وجه الكنيسة الأرثوذكسية أو خانعاً يوماً في بلاط الكرملين

وغالب وجوه المؤتمرين من الذين أتخذوا دينهم "هزؤا ولعبا"، ويعبدون الله تعالى بالرقص والطبل والزمر، ومذهبهم مناصرة المستبدين والطغاة الذين طالما ركنوا تحت أقدامهم ونعموا بالسحت الذي يقتطعونه باطلاً من لحوم الشعوب ودمائها.

ما أريد الحديث عنه هو الشق السياسي الذي طغى على المؤتمر، وغطى على المُؤتمرين وأصبح علامة كاشفة في سياسة المنطقة. فالمكان هناك بعيداً في غروزني وهذا شرط عند الفقهاء لقضاء الحاجة، وجروزني عاصمة الشيشان أحدى مقاطعات روسيا الاتحادية، والراعي الرسمي هو رمضان قاديروف.

والأخير مريد بوتين وفتاه المدلل الذي يفتديه بروحه على حد تعبيره، وهو من سفك دماء أهل السنة على حد السلاح الروسي، وغدر هو ووالده بالجماعة المجاهده في حرب الشيشان الثانية. فهل يمكن لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يفرح بلقياه وهو الذي أوحي إليه "لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ". أما الراعي الغائب الحاضر فهو القطب الأعظم بوتين الذي تقتل طائراته وصواريخه إخواننا السوريين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم.

لم يكن التصوف أمراً طارئاً أو حديثاً على الشيشان، كما أنه لم يكن بارداً في وجه الكنيسة الأرثوذكسية أو خانعاً يوماً في بلاط الكرملين، فعندما قاد الجنرال جوهر دوداييف قائد السرب النووي السوفييتي البطل جهاداً من أجل استقلال بلاده، هبت معه في عملية التحرر والإستقلال قطاعات صوفية وأشعرية وسلفية جاءت من قريب حول الشيشان ومن بعيد تؤدي واجب النصرة وتغيث أخوانها، فكان الرد الروسي عنيفاً جداً، وشنوا حرباً دمروا خلالها الشيشان وأهلكوا الحرث والنسل وأحلوا قومها دار البوار.

ولكن على الباغي تدور الدوائر، ففي عام 1997 استقلت الشيشان كجمهورية وحصل للمقاومين ما أرادوا، ولكن الروس لم يرضوا بالاستقلال، ولم يستسيغوا الهزيمة، فنقضوا عهدهم بعد سنوات قليلة، وعاودوا الكرة مرة أخرى، ليجدوا الشعب الشيشاني المجاهد لهم بالمرصاد.

لقد كانت الآلة العسكرية الروسية في المرة الثانية أكثر فتكاً وإمعاناً في القتل والتنكيل وأقسى حدة، فقتلوا الشيشانيين ودمروا أرضهم وأحتلوا العاصمة جروزني من جديد، بعد أن أحالوها خراباً ودماراً كاملين لم يبقى معه حجر على حجر.

لقد فهم الروس جيداً من حربهم الأولى أن الآلة العسكرية الغاشمة وحدها لا تكفي للسيطرة على الشيشان وإخضاع شعبها المجاهد، فلابد من خلق يد شيشانية تستجيب لأوامر الكرملين أكثر من إمتثالها لأوامر القرآن الكريم، ليستلقي بعد ذلك الشعب المجاهد المنهك من الحروب في أحضان الدب الروسي، وتربت عليه تلك اليد الخائنة.

وقد كان للروس ما أرادوا، وزرعوا اليد التي لا ترد يد لامس، بعد أن كانت تلك اليد بالأمس تجهادهم في حربهم الأولى، وتسقط عليهم رصاص العزة والمقاومة والإباء. لكنها اليوم نكثت عهدها مع المجاهدين الشيشان، ونكصت على عقبيها، فلم تستحق شرف أن تسموا وترتفع، وأخلدت إلى بوتين، وأتبعت ما أُشربت من هوى الكنيسة، وراحت تهلث في بلاط الكرملين.

فالدب الروسي يسعى لبناء مشروعه في المنطقة على اساس النموذج الشيشاني، ويصدره لكل من يريد التخلص من براثن حكمهم

تلك اليد كانت يد مفتي الشيشان أحمد قادريوف الذي أختاره بوتين بعناية في الحرب الثانية ليكون رئيسا للشيشان، وهي ذات اليد التي تربى عليها وترعرع في أحضانها رمضان قاديروف الرئيس الحالي للشيشان والراعي الرسمي للمؤتمر.

فالدب الروسي يسعى لبناء مشروعه في المنطقة على اساس النموذج الشيشاني، ويصدره لكل من يريد التخلص من براثن حكمهم، أو حتى الخروج من تحت قبضتهم الخانقة؛ فبعد أن دمروا الشيشان وعاصمتها غروزني، أعادوا بنائها كمدينة عصرية من أموال النفط التي تعوم عليه الشيشان وأرض القوقاز عموماً.

وأخذ الروس في تصفية المقاوميين والمجاهدين ولكن هذه المرة بيد قاديروف الأب وخلفه في ذلك الأبن، حتى انهارت المقاومة وتهاوى المجاهدين بعد أن حاولوا توسيع الحرب إلى داغستان في غياب الحاضنه، وكتبوا نعي قضيتهم خلف الورقة التي أعلنت فيها بعض فصائلهم إمارة القوقاز الإسلامية، ليجيشوا العالم كله ضدهم، ويستنفروه بقضه وقضيضه وهم قلة قليلة، رغم ما قدموه من نماذج كبيرة في التضحية والفداء والتخطيط العسكري؛ ليغادر ما تبقى منهم إلى سوريا بعد إندلاع الثورة وسط تغاضي روسي عن خروجهم، بعد أن أخفقوا في الشيشان، ليلدغوا من نفس الجحر مرة أخرى، ويكرروا نفس الخطأ مرتين ولكن هذه المره في الشام.

واليد اليوم ليست يد قاديروف وحده بل أيادي المؤتمرين في الشيشان، والشعب ليس الشيشانيين فقط بل الأمة بأسرها، والأرض ليست غروزني بل المنطقة بكاملها، والمشروع هو إسلام روسي على غرار الإسلام الإمريكاني الذي يُبشر به كيري، والمؤتمر هو حجر الأساس لهذا المشروع.
 والنموذج المطروح هو جروزني، وأهل سنة الكرملين مجتمع إسلامي لا يعرف إلا الخنوع والذلة للأعداء،وجماعة بوتين التي يرضى عنها اليهود والنصارى هي التي لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.