شعار قسم مدونات

أنا ملالا.. ولكن!

blogs - malala - book
كيف يمكن للبروباغندا أن تستعمل شخصا معينا خدمة لأهدافها؟ وتدفع به إلى دائرة الأضواء والشهرة العالمية، وتحثه على كتابة سيرة ذاتية تحقق أرقام مبيعات قياسية، رغم أن هدف هذه البروباغندا الأول والأخير تلميع صورة ملطخة لم تكن في يوم من الأيام ناصعة البياض؟
 
كتابنا لهذا اليوم هو مزيج بين الرواية والسيرة ذاتية، يحمل عنوان "أنا ملالا" للناشطة الباكستانية ملالا يوسفزي، أصغر حائزة على جائزة نوبل على الإطلاق، كتبته بالتعاون مع كريستينا لامب، صدر لأول مرة عام 2013 بعنوان أصلي : I Am Malala: The Girl Who Stood Up for Education and Was Shot by the Taliban ثم ترجم إلى العربية وصدر عن المركز الثقافي العربي عام 2014، واحتل لفترة طويلة مراكز متقدمة في قوائم الكتب الأكثر مبيعا في المكتبات ومعارض الكتاب الدولية والعربية.

يحكي هذا الكتاب قصة حياة ملالا يوسفزي، ابنة وادي سوات الجميل في باكستان، التي تعرضت لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياتها يوم 9 أكتوبر 2012، على يد مسلحين من حركة طالبان باكستان التي استولت على الوادي، لا لشيء إلا لأن ملالا دافعت عن حقها وحق الفتيات في التعليم، لتبدأ رحلة علاجية شكلت انعطافة مفصلية في حياتها، نقلتها من قرية باكسانية نائية إلى مستشفيات بريطانيا وبعدها قاعات الأمم المتحدة في نيويورك، ورشحتها لنيل جائزة نوبل كناشطة سلام، وقد حصلت عليها بالفعل.

من المنظور الأدبي، هذا الكتاب يتراوح بين الرواية والسيرة الذاتية كما قلنا في البداية، ولهذا فالحكم عليه من حيث المضمون الأدبي لن يكوُن منصفا نظرا لاحتوائه على الكثير من التفاصيل والتي وإن وجدت على سبيل الوصف والتقريب الفعلي للأحداث إلا أنها مملة جدا ويمكن الاستغناء عنها دون إحداث تأثير على النص الفعلي للكتاب، إذا استثنينا طبعا الوصف الجميل لوادي سوات الذي لا يعرف عنه القارئ شيئا، وأيضا بعض تفاصيل حادثة الإغتيال أو محاولة الإغتيال، أما ما دون ذلك فهو مجرد حشو زائد.

ملالا ضحية بريئة، هذا مما لا شك فيه، لكن التسويق الإعلامي الجنوني لقصة حياتها ومنحها هذا الكم الكبير من الجوائز إلى جانب نوبل لم يكن بريئا أو لله في الله

ولكن، دعونا نقرأ هذا الكتاب ونحلله من منظور آخر :
منذ الاجتياح الأمريكي لأفغانستان عام 2001، أشارت الإحصائيات إلى مقتل ما يقارب ال 20 ألف مدني أفغاني جراء عمليات القصف الأمريكية، التي امتدت فيما بعد إلى مناطق في باكستان ظهرت فيها "بقدرة قادر" نسخة باكستانية من طالبان أفغانستان، 20 ألف مدني تم القضاء عليهم وكأن شيئاً لم يكن، واعتبرتهم القيادة الأمريكية مجرد أضرار جانبية، كمصطلح برجماتي بالغ الحقارة، وفجأة عندما حاول الطرف الآخر قتل فتاة قاصرة بريئة زلزلت الدنيا وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ هذه الفتاة الباكستانية وسوقت للخبر في كل المنابر ووسائل الإعلام!

بطبيعة الحال ملالا كانت إحدى ضحايا تطرف يعتبر أن حرمان الفتيات من حقهن في التعليم واجب ديني مقدس، وهي شخصية تستحق كل الاحترام والتقدير على نضالها من أجل حقها في التعليم، نضال كادت تفقد بسببه حياتها وهي بعد طفلة في الخامسة عشرة من عمرها، ولكن الاستخدام الإعلامي الذي استغل حادثة ملالا مع طالبان باكستان (كتاب اليوم من بين أوجه هذا الاستخدام) كان واضح الأهداف والمعالم.

فقد حاول إظهار الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها تريد إنقاذ المنطقة من التطرف الديني، ونشر أسس ومبادئ الرقي والتطور الحضاري، وأنتم تعلمون كما أعلم أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، وتردي الأوضاع والانهيار الذي مس دول المنطقة ممن شهدت تدخلا أمريكيا مباشرا أو غير مباشر، وحولها إلى دول محطمة فاشلة بالمعنى العام، أبرز دليل على ذلك.

ملالا ضحية بريئة، هذا مما لا شك فيه، لكن التسويق الإعلامي الجنوني لقصة حياتها ومنحها هذا الكم الكبير من الجوائز إلى جانب نوبل (أحصيت لوحدي ما يربو على ال 42 جائزة عالمية) لم يكن بريئا أو لله في الله، بل خدمة لبروباغندا يفوق قبحها في الواقع قبح من ارتكبوا الجريمة بحق الطفلة، مهما حاولت وضع مساحيق تجميلية على وجهها البشع (أقصد البروباغندا وليس الطفلة طبعا، حتى لا يختلط الأمر على البعض).

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان