شعار قسم مدونات

بين الحب و الوطن.. عداء عظيم

بين الوطن والحب

حدثني صديقي عن قصة حبه التي قضت نحبها بسبب الوطن.. وحدثني آخر عن قصة حبه التي قتلها الوطن.. وحدثني ثالث فقاطعته قبل أن يكمل.. ألا تبا لهذا الوطن.

تساءلت.. ما يكون هذا الوطن الذي يجرم في حق أكرم شيء خلقه الله في الإنسان ألا وهو القلب والمشاعر وما يحيط بهما من هالة مقدسة.. كيف لا وإذا سقط صرح الأحاسيس سقط الإنسان برمّته وسقطت معه القيمة وسقط المبدأ واندثر الخُلق لتعم الفوضى ويعمّ خراب النفوس وتخرب الأرض.

هل حقا هو الوطن الذي يحمل سيفا ينحر به أفئدة المتحابين نحرا، أم أن التهمة تلقى عليه جزافا؟

هل حقا هو الوطن الذي يحمل سيفا ينحر به أفئدة المتحابين نحرا.. أم أن التهمة تلقى عليه جزافا؟

حاولت تشخيص كل حالة و تحليل كل قصة تُليت على مسامعي من قبل أصدقائي وسعيت للإحاطة بالأسباب والتفاصيل عسى أن أجد دليل براءة للوطن.. فلم أجد. فكل شيء يثبت التهمة عليه وكل الجرائم في حق القلوب يدلي شهودها بعد القسم بالثلاث أن الوطن هو المجرم.

كيف لا وهو الذي يتجلى في مسميات أخرى.. مسميات منه وإليه.. هو الإعواز والإملاق، هو الفقر والعجز.. وكيف لا وهو التربة التي تحمل مجتمعا يرى التراب ذهبا ويرى الصخور زمردا ويرى الزياتين أوتادا من عقيق.. مجتمع يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ويكيل بميزان لا ترجح يمناه أبدا، فكلما وُضعت فيها خصائل الصالحين رجحت الكفة اليسرى ببيت من زخرف أو شيء من ذاك القبيل.

وكيف لا وهذا الوطن سلسلة من الأحكام والأعراف والفرائض ذرعها سبعون ذراعا تقيّد آمال الشباب وتحطم طموحاتهم يسلكونها مكرهين معذبين بعيدا عن سبل أحلامهم التي نسجوها منذ الصغر.

بلى.. لقد تحول الوطن من مأوى إلى سجن شقاء وإلى كيان مرعب يثقل كاهل كل من نبض قلبه بالحب.. فالحب في وطني كفر ومقاومة..

أما الكفر فكأن المحب يتشبث بمفردات البوح و التصريح مع من يحب عساه يضمن زمنا قليلا من ملأ الفراغ فيكفُر بالواقع و تبعاته ولا يؤمن الا باللحظة التي هو فيها،و يدفن رعبه من الواقع و يكسوه بغشاوة وردية و يقبره بتراب من سلالة شافّة للبصائر و شفافة للأفئدة.

و أما المقاومة فكأن المحب يقاوم خوفه و هلعه من حصيلة خيبات الأمس التي حلت بمن حوله و من عاقبة اليوم المجهولة التي تنتظره فيحاول دفن ذلك الخوف خلف مصطلحات الود لا تظاهرا و تقنعا و لكن مقاومة و إيمانا مضطربا نتاجا للصور المخزونة في ذاكرة نكسات الآخرين .. ليبقى وجه الرعب في القلوب جليا يأبى أن يخفى بين الأضلع بتلك السهولة.. فالمحتل ظاهر و إن تعالت زغاريد المقاومة..و يا للغرابة ويا للصدمة حينما يكون المحتل هو الوطن..الوطن الذي يثير الخوف و الرعب و يفسد حرث المحبة و نسل الود..

ساقتني الخيبة الى سبيل الهجرة بعدما رفعت يديّ إلى السماء مناديا.. أسألك هجر كل هذا يا مولاي

وهنا يقول صديقي منقذا في خاطري بقية الأمل الذي وضع قدميه على مصطبة مشنقة الخوف بعد كل هذا الهول من أنباء الوطن ..يقول لقد تعرفت على الوطن الحقيقي بعد أن دحرني الوطن ..حينما تحررت من كل ما سجنني فيه قلبي و كل ما سعى إليه عقلي رضوخا لسلطة القلب و ابتغاء بلوغ موطن الجوارح..

ساقتني الخيبة الى سبيل الهجرة بعدما رفعت يديّ الى السماء مناديا .. أسألك هجر كل هذا يا مولاي..كل ما خبت فيه و كل ما حطمني و كل ما جعلني أسأل نفسي..هل هذا أنا حقا..فكانت الهجرة من كل ذاك هي السبيل ..لأكتشف أن الوطن هاهنا (مشيرا لصدره) الوطن الحر هو أنت فور انتصارك مع نفسك ..هو أنت حينما تتحول بانتصارك من إنسان إلى رسالة إلى قدوة و منهج يقتدي به الاخرين..و إن عتاد هذا النصر يا صديقي هو الايمان و خصائله فكن من المنتصرين و إن كان أكثر الناس لا ينتصرون..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.