شعار قسم مدونات

صراع هشاشة أمة في حافلة امستردام

General view of the beach volleyball courts for the Beach Volleyball World Championships 2015 on the Dam in Amsterdam, Netherlands, 19 June 2015. The FIVB Beach Volleyball World Championships will take place from 26 June until 05 July 2015 in four different cities in the Netherlands.

أسير في شوارع أمستردام وحيدا مشتتا يشت خيالي شرقا لجزيرة تسمى جزيرة العرب، أنظر إلى نفسي في مرآة الحافلة فلا أجد إلا شخصاً يحمل ملامح آتيه من تلك البقعة من الأرض، أتكلم مع نفسي فلا أسمع إلا صدى لهجة الكشكشة التي لم يتكلمها إلا بني أسد وبني ربيعة وبضعٌ من بني حرب.

 

أتساءل بيني وبين نفسي ما هي هويتي؟ من أنا هل أنا عربي أم أعجمي؟ فتذهب بي الذكريات عندما كانت جدتي تحضر القهوة العربية مع الهيل فوق الجمر، أنظر يمينا فلا أجد إلا جلابة عربية يرتديها جدي أدقق به أكثر وأدقق في بطاقة أحوالي فلا أجد إلا اسم قبيلة عربية ذات نسب شريف قبيلة جاءت من ذاك الشرق القريب وتتفرق يوما بعد الآخر في الغرب البعيد، والسبب الحرب ذات القيود البعيدة.

 

عن أي عار أتحدث وقبر جدي أصبح في دولة وأنا في دولة، وقمة العار عندما يأتني خبر قادم من حُمُّص أن خالد قد قتل من جديد نعم خالد ابن الوليد أعزتي قُتِل من جديد على يد جنود كسرى ولا من مجيب.

 

 ومن المؤكد أن أبا حفص عمر أراد نجدة خالد صديقه لكن عمر لم يستطيع الحصول على فيزا تمنحه أن يزور خالداً، ويرى ما حل بمرقده بمن يستنجد خالد؟ ويتساءل هل بأمة "كفرت" براية الإسلام ووضعت نجوم وألوان وسلاسل وصورٌ لآلهة الشمس فوق أرض الإسلام التي تمتد لقرطبة غرباً وللصين شرقاً.

 

سقطت حدود الوطن القريب من عيني، أيقنت جيدا أن هذه الجيوش العريضة خلقت لتحمي حدود أوطان وضعها الاحتلال .

هل خالد أجنبيٌ عن جزيرة العرب أم عمر ابن عبد العزيز يحتاج لفيزا تؤهله لزيارة قبر رسول الله؟ أم أن هذه الأمة تستعمر نفسها بنفسها؟ أم أن الإدريسي أخطأ عندما قال إن الأرض تدور ولكن الأرض لا تتغير جغرافيتها؟ هل تتغير جغرافيا بلاد الإسلام  والإدريسي كاذب؟ .

 

متأسلمون في إذاعات التلفزة و"كفار "في حمل الرايات، خاب ظني منذ أكثر من خمسة أعوام عندما كنت أجلس وجدي في بيتي نحتسي قهوتنا العربية فجاء جيش إحدى هذه الرايات وراية ما يسمى وطني الذي لا أعترف بحدوده، داهموا منزلنا وأخذوا بطاقاتنا الشخصية وبدأ جيش وطني بتفتيش أغراضي وكل الخزانات في غرفتي.

 

نظرت جيدا في المرآة فما وجدت إلا أحد جنود بلدي يضع ساعة أهداني إياها صديقي في جعبته العسكرية، فنظر نظرة إلي ولم يتفوه بكلمة واحدة وفي هذه الأثناء سقطت حدود الوطن القريب من عيني، فأيقنت جيدا أن كل هذه الجيوش ذات الصواريخ الكبيرة والمدرعات العريضة خلقت لتحمي حدود أوطان وضعها الاحتلال منذ عصور مضت.

 

أنا لا أشكوا الاحتلال الذي احتلنا أياما معدودات ولكن أشكو هذه الجيوش التي أكملت الاستعمار بشكلٍ أكبر وأوضح، وبطريقة عصرية متأسلمة مستعربة، ونسوا أن لا حدود بعين كل إنسان مسلم.

 

دائما نقرأ عن ما يسمى بصراع الحضارات ولكن  لأول مرة أسمع صراع حضارة واحدة  مع نفسها، كلكم محتلون يا أعزائي كلكم تحمون حدود وضعها محتل متمرد استئصالي، أنتم غزاة لأنكم غزوتم بيتنا، أنتم غزوتم قلوبنا ونهبتم آمالنا في تحرير ثاني القبلتين.

 

طغاة يا أبناء أمتي لأنكم تضعون رايات دول لم تفعل شيء سوى أنها أفقدتنا القدس والعراق العظيم وبلاد الشام، ما هؤلاء …حتى تنتهش عظامنا لهذا الحد الذي لم يتخيله عربي قط، هل نسيتم يا أبناء أمتي أننا قوم واحد؟ هل نسيتم أن دولكم تسمى بأسماء طغاة استباحوا بلادنا عنوة.

 

البارحة عندما كنت أتناول الطعام العربي في مطعم هناك داخل أرض الكفار كما تصفوها، اجتمعت الأمة وشكونا همومنا كان عددنا قليل ولكن كنا أمة قوية في ذاك المطعم الصغير؛ شخص من العراق لاجئ في هذه البلاد وآخر من الكويت  من البدون مجرد من حقوقه ليس له حق أن يسجل طفله باسمه في بلد عاش بها أجداده، وآخر فلسطيني لا يحمل إلا وجع قادم من القدس، وآخر من الشام جمعتنا قوميتنا ووطننا الكبير، وجمعنا الغرب الإلحادي الكافر كما يصفه شيوخ الدفاع عن حدود العار.

 

دائما نقرأ عن ما يسمى بصراع الحضارات ولكن لأول مرة أسمع صراع حضارة واحدة مع نفسها

 قائدنا سيدنا محمد جاء رحمة للعالمين، قائداً لأمة كانت عظيمة كبيرة  وصلت لعلم الفلك، وأمة وجدت اللوغاريتمات التي جعلتني أكتب بهذا الجهاز المتطور قليلاً عن أفكار علماء أمتي لفكرة جعلتني أصور ما أكتبه وأدققه. هنا نقف للخوارزمي احتراما، ونقف وقفة ذُل إن لم يأتي بعده أحد منا وطور ما صنع كثيرا.

 

نزلت من حافلة أمستردام وخسرت أمتي ووطني، وابتسمت كثيرا عندما تيقنت أن أبناء وطني يموتون في سبيل الله، وأبناء الأوطان المجاورة ما زالوا يموتون بحوادث السير على زوايا الطرق.

 

ما زال لدي القليل من الأمل أن ما بعد الثورة السورية مشروع أمة جديدة، أُغلِق باب الحافلة ومشى السائق وقالي لي باللغة الهولندية داخ.

عادت مخيلتي، إنني مشرد في بلاد الغرب ولست في بلاد أمتي المزعومة، وما زلت أنتظر حافلة جديدة تقلني من بغداد للشام باتجاه القدس ومن ثم إلى زيارة حبيبي رسول الله .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.