أحبته من النظرة الأولى كما يقولون، هندامه عيناه ومشيته، تزوجته قبل أن تتجول في زوايا عقله الذي بدا لها خاويا فيما بعد. وجدت نفسها كما الكثيرين تعيش مع قشور إنسان، مع ظاهر يخطف الألباب وباطن خال من الحياة والروح.
لقد تنازلت عن "فكره" لأجل "تسريحة شعره"، وعن "حسن حديثه" من أجل "جمال ابتسامته"، أما ثقافته فدفنتها تحت ملابسه الجذابة، ثم إنها دفنت نفسها تحت ذلك كله.
أغرقت صفحات التواصل بصوره، وابتساماته، وأعلنت منه أيقونة للحب، ثم ما إن اجتمعت بمن تعرفهم يومًا وكان برفقتها خافت أن ينطق بالحديث فيضعها موضع الحرج، وقد تقطع حديثه أحيانًا فتجرح قلبه وتهين مشاعره، تشعر كل لحظة تمضيها مع ذلك الجمع كأنها عام يمر عليها ثقيلًا، ثم ما إن يودعها أصدقائها مستأذنين، حتى تشعر بأن حمل الدنيا قد سقط عن كاهلها، لتمضي برفقة "من اختارت" تسلخ نفسها من نفسها، وتتحدث بغير لسانها، عله يعفو عن سقطاتها.
إذا .. أنحب بعقولنا؟ تسألينني ،، وهل للألباب أن تنبض حبا ؟
لنختر من يسكن القلب ويشغل العقل، فلنبحث خلف الوجوه وتساريح الشعر وصيحات الملابس، فهناك فقط يربض المكان الذي سنكمل به الحياة |
– إن الألباب لا تنبض يا عزيزتي، إنما تنبض القلوب بالألباب، حين تتوافق العقول تتعانق القلوب حبا وشوقا، وكأنها وجدت ضالتها الذي تاه بين ملايين الوجوه، يكاد القلب يخترق الضلوع ليصرخ :" إنه هو، ذاك الذي أبحث عنه منذ زمن".
تشعرين وكأنه يسرق الحديث من لسانك، يخطف الكلمات من باطن لبك، يصوغ من أفكارك طوقا جميلا يهديكي إياه عند كل لقاء، يحيك الحروف بمقياس سمعك،فكيف لا تحبينه ؟
إن جلستي تحدثينه أصغت حواسه لكل حرف يحرره لسانك، تنطقين بكل ما تشعرين، لا تنتقين الكلمات "الركيكة" في حديث جوهري ، لأنك تخاطبين عقلك، تحدثين سمع روحك أنت.
تتحدثين من ذات عالمك، ولا تضطرين للجلوس في عالم آ خر ليراكي من مكانه، فكيف لو اختار قلبك ما لم يختره عقلك، فوجدتي كل شيء جميل يحرق، ويولد من رماده حياة باهتة بلا معنى، ستشتمين قلبك ومشاعرك، وستجعلين "عصمة الأمر " في يد عقلك فقط، فتقتلين كليهما ظلما وعدوانا.
ليست وحدها من تخطئ الاختيار أحيانا، فأنت أيضا قد تظفر بذات الجمال، تطوف الأبواب باحثا عن الشعر المسدول والعيون الجميلة، وتنسى سبر أغوار الألباب الرابضة خلف حسن الوجوه، لكنها ما تلبث أن تلفظ كل ما فيها، فان نطق اللسان غاب الجمال ومات الحسن، وصارت صاحبة الحسن في نظرك "ساذجة" و"سطحية" لا تليق بسمو منزلتك الرفيعة، ورحت تضرب بقلبك كل حائط ، وتقسم أن تدفنه بين ضلوعك إلى الأبد.
لم علينا أن ندفن عقولنا مرة وقلوبنا مرة، لم لا نصنع من كليهما مقطوعة جميلة نعزف بها لحن الحياة كما نحب ؟!
لنختر من يسكن القلب ويشغل العقل ، فلنبحث خلف الوجوه وتساريح الشعر وصيحات الملابس، فهناك فقط يربض المكان الذي سنكمل به الحياة، ولندع " الحب من أول نظرة" لمن فضلوا العيش مع أغلفة الكتب على الغوص في جوهرها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.