شعار قسم مدونات

في زواج الشرق (1)

blogs - marrage - ala & tareq
هي جمل متفرقة، كتبتها ووضعتها نصب عيني أثناء مسيرة البحث عن شريكتي، اعتبرها البعض شروطا تزيد في تعقيد، واعتبرتها كسرا لشروط وعودة لأصل. أجمعها هنا مع بعضها لأول مرة ليلة عرسي، مذكرا نفسي بها، وفخورا بمن اخترت، لعلي أشرع في قسم آخر منها بعد زواج ميمون.

1- كلما امتدح الزوج الشرقي زوجته، يأتي مديحه في الغالب مرتكزا على صبر شريكته وتحملها – مع وجود استثناءات لا بد منها – ، يفسر لك ذلك بعدا أساسيا في منظومة الزواج الشرقية يتيح للرجل ارتكاب الحماقات بكل أريحية، ويوجب (يوجب ولا يتيح) على شريكته الصبر والتحمل، أما إن فكرت هي بارتكاب حماقة واحدة، فلا شريكها ولا أهله ولا أهلها ولا المنظومة ولا المجتمع ولا الأمثال الشعبية ولا التاريخ ولا الدين "المصطنع" سيحتمل ألا تُرمى في جهنم الدنيا قبل الآخرة، و"لو فيها خير ما رماها الطير"!

2- ومما تتحفك به منظومة الزواج الشرقية، تلك العبارة الخالدة الرنانة.. العابرة للأجيال: "تزوج كي تجد طعامك معدا، وبيتك نظيفا، وثيابك مكوية، .."صديقي، هل أخبرتك بحاجتي لخادمة بمهر؟

الزواج ليس منتهى الآمال، ولا غاية المنى، ولا نهاية الآلام، ولا مقصلة الأحزان. لن تنتهي سوداوية عالمك بالزواج، ولن تعيش في عالم لازوردي حتى الممات

3- منظومة الزواج الشرقية تعتبره واجبا وطنيا يجب تأديته في سن معينة، وتبتعد عن تأصيل وجود مرحلة سابقة يترجمها ويتممها. الزواج وسيلة وليس غاية، وسيلة لجمع جهد شريكين نحو مشروع محدد من الطرفين، هو عقد يجمعهما على إنجاح تلك الشركة وفق شروط معينة، إن أخل بأي منها بطل. الزواج شراكة، زوجك شريكك، وزوجتك شريكتك، لستَ مصرفا تجارية، ولستِ خادمة.

4- منظومة الزواج الشرقية تتعامل مع الأمر بمبدأ امسح واربح، تماما كمن يتوق إلى الطماطم فيبحث عن أفضل صندوق في جميع الأسواق المركزية والبقالات إلى أن يجد ما يشبع ناظريه، المهم أن يكون أحمرا لامعا ويحبذ إن كان مزروعا في أراضي الدولة غير مستورد من الخارج.
يخادع نفسه من يظن أن فترة الخطبة هي فترة الاستكشاف والتعارف، لأنه يعلم تماما أنها مرحلة تجمّل، يظهر كل طرف فيها أجمل وأفضل ما يملك كي يحظى بقبول شريكه، ويرضي من يناسب.
ابحث عمن يمكن أن تبقى صديقا لك (لا صديقة) إن انتزعت منها روح الأنوثة. هل تختار صديقك بالحظ؟

5- الزواج ليس منتهى الآمال، ولا غاية المنى، ولا نهاية الآلام، ولا مقصلة الأحزان. لن تنتهي سوداوية عالمك بالزواج، ولن تعيش في عالم لازوردي حتى الممات. لن تفتح لك كل أبواب الهناء، ولن تتجمع كل نسمات عبير الكون في منزلك. الزواج مرحلة هامة، غير حتمية، أنت من يحدد احتياجك لها، وتوقيتها، ثم أنت من يحدد كيف يديرها ويعتني بنظامها الداخلي بالتعاون مع "شريكك" للحفاظ عليها وعلى ما يحفها ويتخللها من جمال وتوفيق، وللاستعانة بها على استكمال مسيركما السابق.
عزوبية.. خير من اختيار خاطئ.

6- في الوضع الطبيعي، لا يبدو مقبولا أن تشارك شخصا في تجارة قبل فترة معرفة مطولة تخبَره فيها، وتعرف منها مكنوناته قبل ظواهره، وتدرس ردود أفعاله، وعلاقاته، وسلوكياته، وأنماط تفكيره، وتصرفه في المصاعب. في ذات الوضع أيضا، لن يكون من المقبول أن تشارك ذاك الشخص الثقة المختبر من طرفك دون عقد شراكة موقع منكما، تحت طائلة الفسخ في أي لحظة أن أخل أيكما به.
بالمقابل، يتيح لك – وقد يوجب عليك – مجتمعك الشرقي – بأصنامه – مشاركة شخص مدى الحياة وفق اختيار والدتك، أو ترشيح صديقك، أو رغبة جدك، أو ربما إرضاء لعمك كبير العائلة، مع فارق كون الشراكة ليست بالمال، إنما بالروح والجسد فقط (!).

نشوء جيل يقبل بالطلاق ولا يسم المطلّقين – بفتح اللام وكسرها – بسمات رخيصة يبدأ من هنا، ومن قبوله – قبل ذلك – الارتباط بمطلّق كما يقبل شراكة من فسخ عقده مسبقا!

وقد تجد بعض "الآلهة" المتطرفة التي تحل عليك غضبها والسخط إن عبرتَ عن رغبة بالـ "حب" الناشئ عن المعرفة، فالارتباط غدا تصرفا ميكانيكيا، يبدأ بالمهر، يمر بالإنجاب، وينتهي بالموت.
بيت القصيد، أنك إن استيقظت – وإياها – متأخرين، ووجدتما ألاّ ألفة تترجم ذلك العقد ولا انسجاما ولا ميلا.. فإن منظومة الزواج الشرقية لن تسمح لكما بالطلاق – ذلك الغول المخيف – ، بل ترغمكما على عيشة أشباح، محفوفة بمصطلحات معلبة جاهزة: "السمعة"، "الأولاد"، "اصبروا"، "توكلوا على الله"، والأخيرة خصوصا لا تغدو سوى إطار فارغ.

لماذا يصور الطلاق كنهاية العالم وجريمة لا تغتفر؟ لم يقدم كخطيئة كبرى، وهوة ساحقة؟ لم يصور كثقب أسود يبتلع تلك العائلة الشكلية التي خلقها ذات الذين خلقوا الثقب الأسود اللعين؟ ثم لماذا يُعطى للذكر وحده كسلاح يلوح به في وجه الأنثى.. يقضي به عليها بكلمة استند بها على الفقهاء؟
الطلاق هو الحل، كما فسخ العقود هو الحل، سواء كانت تجربة خاطئة بدافع من العائلة، أو – وإن – بدافع منكما، ووجدتما الاستمرار خطأ فأدركا نفسيكما.. معالجة الخطأ أولى من التغول فيه، الزواج ليس وثاقا أبديًا.

نشوء جيل يقبل بالطلاق ولا يسم المطلّقين – بفتح اللام وكسرها – بسمات رخيصة يبدأ من هنا، ومن قبوله – قبل ذلك – الارتباط بمطلّق كما يقبل شراكة من فسخ عقده مسبقا!

..يتبع

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.